والتعدى ، فمحال نسخ ذلك. وجميع هذه الآيات لا يراد بها عزل طعام اليتيم وشرابه عن طعامهم وشرابهم ، وإنما التأكيد على أن المخالطة بقصد الإصلاح ليست محرمة عليهم ، وأن فيها توسعة من حرج ، وفيها ترخيص وتيسير عليهم ، فهل تبدو شبهة تعارض بين هذه الآيات الأربع مع أنها كلها تلتقى عند وجوب رعاية اليتيم وحفظ أمواله؟
والآية : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) (٣) (النساء) : قيل : إنها نسخت ما كان الناس يفعلونه فى الجاهلية وفى صدر الإسلام ، حيث كان لهم ما يشاءون من الحرائر ، فنسخ الله ذلك بالقرآن والسنّة والعمل ، فلم يعد يحلّ لأحد فوق أربع من النساء ؛ والسؤال الذى استوجب نزول الآية كان عن اليتامى وليس عن عدد النساء ، فالآية لم ترفع حكما شرعيا سابقا ، وما دام الإسلام لم يشرّع حكما قبل هذا الحكم ، فلا يعتبر ذلك نسخا.
والآية : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء ٦) : قيل : إنها منسوخة بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (النساء ٢٩) ؛ وقيل : نسختها الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠) (النساء) ؛ وقيل : «فليأكل بالمعروف» منسوخة بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ...) ، فكيف ينسخ الظلم المعروف؟ وأين من الأكل بالمعروف ، الأكل ظلما؟ والآية لذلك محكمة لا تعارضها آية أخرى ، وحكمها لم يرفع.
والآية : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٧) : قيل : إنها منسوخة بالآيات الثلاث بعدها ١١ و ١٢ و ١٧٦ من السورة ، والصحيح أن هذه الآيات تفصّل الإجمال الذى قررته الآية الأولى ولا تنسخها.
والآية : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٨) (النساء) : قيل : نسختها آيتا الميراث والوصية ، والصحيح أنها محكمة وليست بمنسوخة ، وتعطى أولى القربى واليتامى والمساكين الحاضرين لقسمة التركة شيئا منها ، وهذا الحكم باق على وجه الندب ، ولا تعارض ولا نسخ.
والآية : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٩) : قيل : الخطاب فى الآية لأولياء اليتامى ، وتأمر بإجراء الوصية على ما