«كيف يفلح قوم شجّوا رأس نبيّهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟». والرباعية : السن التى بين الثنية والناب. فهمّ أن يدعو عليهم ، فأنزل الله الآية ، فلمّا نزلت الآية علم أنهم سيسلمون من بعد ، وقد أسلموا ، ومنهم خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعكرمة بن أبى جهل. ولمّا أطمع فى ذلك قال : «اللهمّ اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون». وقيل : إن هذه الآية ناسخة للقنوت الذى كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يلعن فيه بعض أعدائه بعد الركوع فى الركعة الأخيرة من الصبح. وليس هذا موضع نسخ ، وإنما نبّه الله تعالى نبيّه على أن الأمر ليس إليه ، وأنه لا يعلم من الغيب شيئا إلا ما أعلمه به الله ، فلا نسخ.
والآية : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران ١٥٩) : قيل : نسختها آية السيف ، وهذا غير صحيح ، لأن الآية عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم مع المؤمنين بعد أحد ، ولا قتال مع المؤمنين ، والكلام مع هؤلاء بالقول الحسن. والآية فى وصف أخلاق النبىّ صلىاللهعليهوسلم ولا ينافيها ما تأمر به آية السيف من القتال ، فإنما شرّع القتال لإحقاق الحق وإعلاء الفضائل والقيم ومكارم الأخلاق.
والآية : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) : قيل : إن آية القتال نسخت هذه الآية ، والأظهر أنها ليست بمنسوخة ، فإن الجدال بالأحسن ، والمدارة أبدا ، مندوب إليهما ، وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم مع الأمر بالقتال يوادع اليهود ويداريهم ويصفح عن المنافقين. ثم إن الصبر المطلوب فى الآية والذى يقال إنه نسخ هو صبر على سماع الأذى ، فهل ذلك خطأ؟ أليس القتال محتاجا دائما للصبر؟
* * *
١١٣١ ـ سورة النساء
الآية : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) (النساء ٢) ، قيل : إن النهى فيها عن أكل أموال اليتامى بضمها إلى أموالهم قد نسخ ، وأن ناسخه قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) (البقرة ٢٢٠). وقيل إن الآية : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) نزلت عند ما نزلت آيتان أخريان هما قوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الأنعام ١٥٢) ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠) (النساء) ، فهل نسخت هاتان الآيتان أيضا بآية البقرة؟ وقيل : الآية لا يجوز فيها ناسخ ولا منسوخ ، لأنها خبر ووعيد ونهى عن الظلم