من الصفح والعفو بمكة. وقيل : هى منسوخة بالآية : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (التوبة ١٢٢) ، وهذا ليس صحيحا ، لأنه ليس فى هذا القول نسخ لفرض القتال. والآية من المنسأ لا من المنسوخ ، والمنسأ : ما أمر به لسبب ثم يزول السبب ، كالأمر حيث الضعف والقلة ، بالصبر والمغفرة ؛ وأما المنسوخ : فهو ما أزيل حكمه حتى لا يجوز امتثاله أبدا ؛ فالحكم المنسأ هو الذى يدور مع علّته وجودا وعدما ، كالنهى عن ادخار لحوم الأضاحى من أجل المجاعة ، وأما الحكم المزال أبدا فهو المنسوخ. وهذه الآية ليست منسوخة الحكم ، ولا هى ناسخة لحكم قبلها.
والآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) (البقرة ٢١٧) : قيل : نسختها الآية : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) (التوبة ٣٦). وقيل : نسخها غزو النبىّ صلىاللهعليهوسلم ثقيفا فى الشهر الحرام وإغزاؤه أبا عامر إلى أوطاس فى الشهر الحرام. وقيل : نسختها بيعة الرضوان على القتال فى ذى القعدة. وهذا غير صحيح لأن النبىّ صلىاللهعليهوسلم لما سمع عن موقف المسلمين فى مكة ، بايع المسلمين على دفع الكفّار لا على الابتداء بقتالهم. وآية الشهر الحرام تؤكد على أن الشهر الحرام حرام فيه القتال كما كان ، غير أن ما يستحلونه من المسلمين أكبر من ذلك ، من صدّهم عن سبيل الله حين يحبسونهم ويعذّبونهم حتى لا يهاجروا ، وصدّهم للمسلمين عن المسجد الحرام ، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين ، وفتنتهم إياهم عن الدين ، فنزلت : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١) (التوبة) والآية لذلك محكمة ، والقتال غير جائز فى الأشهر الحرام.
والآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) (البقرة ٢١٧) : وقد ادّعوا النسخ على هذه الآية بقوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (التوبة ٣٦) أو بآية السيف (التوبة ٥) ، أو بآية القتال لأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية (التوبة ٢٩). والشهر الحرام فى الآية هو رجب ، والقتال محرم فيه ، والآيات التى قيل إنها ناسخة للآية لم تشرّع القتال فى كل زمان ، فلا تعارض بينها وبين الآية التى تحرّم القتال فى الأشهر الحرام ، فلا نسخ.
والآية : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (البقرة ٢١٩) : قيل : نسختها آية الزكاة المفروضة ، ونسخت كل صدقة أمروا بها ، والصحيح أنها محكمة ، فلا تعارض بين هذه الآية ـ وبين آية الزكاة المفروضة ، ففي المال حق سوى الزكاة.
والآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) (البقرة ٢١٩) : قيل : نسختها الآية : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (المائدة