والآية : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) (البقرة ١٩١) : قيل : الآية منسوخة بآية السيف التى تقول : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة ٥) ، والآية : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (البقرة ١٩١) ، والصحيح أنه لا نسخ ، لأن الآية تنهى عن مقاتلة الكفّار عند المسجد الحرام إلا إذا بدءوا بالقتال ، والآية الثانية والثالثة تعنيان أنهم إذا بدءوا بالقتال فاقتلوا المشركين أنّى وجدتموهم سواء فى المسجد أو فى غير ذلك. ثم إن آية : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) خاصة ، وآية : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) عامة ، والعام لا ينسخ الخاص.
والآية : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (البقرة ١٩٤) : قيل : إن المنسوخ فيها هو «الحرمات قصاص» فليس لأحد أن يقتص من أحد إلا بالسلطان ، غير أن السياق ليس فيه هذا المعنى ، وقد قيل إن ابن عباس هو الذى قال به ، ولم تعرف صحة هذا الكلام ، والمعنى الصحيح للآية أن المسلمين وقد منعوا فى الحديبية من دخول الحرم قد عوّضهم الله عنه بدخولهم فى المرة الثانية عوضا عمّا منعوا فى مثله فى العام الماضى ؛ والحرمات هى : حرمة الشهر ، وحرمة البلد الحرام ، وحرمة الإحرام ، والآية إذن ليست منسوخة. وقيل : إن الآية نسختها الآيات التى تأمر بالقتال ، كقوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (التوبة ٣٦) ، وقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) (التوبة ١٢٣) ، وقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ) (التوبة ٢٩) ، والصحيح أن حكم الآية لا يقبل الإلغاء ، ولا يعارض ما تقرره تلك الآيات ، ولا معنى للنسخ.
والآية : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (البقرة ١٩٦) : قيل : إن الآية تنسخ ما كان يعتقده الناس فى الجاهلية ، من أن العمرة لا تجوز فى أشهر الحج ، والصحيح أن الآية لم تنسخ شيئا ، لأنها تشرّع حكما فى الحج لم يسبق ، بحكم يخالفه ، وما دام للشارع فى الموضوع حكم واحد ، فكيف يكون ناسخا؟ وما الحكم الذى نسخ بهذا الحكم؟
والآية : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (البقرة ٢١٥) : قالوا : الآية فى الزكاة المفروضة ثم نسخ منها الوالدان. وقيل : الزكاة غير هذا الإنفاق ، فعلى هذا لا نسخ فى الآية لأنها مبينة لمصارف صدقة التطوع.
والآية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (البقرة ٢١٦) : قيل : هى ناسخة لحظر القتال عليهم وما أمروا به