الصوم ، فكأنه لا نسخ هناك وإنما شرح وتفسير وبيان. ويجوز أن يعود الضمير فى (يُطِيقُونَهُ) على الفداء ، فيصبح المعنى وعلى الذين يطيقون الفداء فدية ، قيل : فنسختها الآية : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة ١٨٥) ، والصحيح أنها لم تنسخها ، حيث الأصل فى رمضان الصيام ، وإنما يرخّص للشيوخ والعجزة خاصة ، أن يفطروا وهم يطيقون الصوم. والإجماع على أن المشايخ والعجائز الذين لا يطيقون الصيام أو يطيقونه على مشقة شديدة ، أن يفطروا وعليهم الفدية ، وهؤلاء ليس حالهم كحال المرضى والمسافرين ، كقوله : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة ١٨٥) ، والمريض والمسافر يقضيان ، وأما الشيوخ والعجزة فلا يقضيان وعليهم الفداء كل يوم بإطعام مسكين.
والآية : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة ١٩٠) : قالوا إن الآية منسوخة فى موضعين ، أولهما : الأمر بقتال من يقاتلوننا دون غيرهم ، وقد نسخته الآية : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (البقرة ١٩١) ، والآية : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (التوبة ٢٩) ، والآية : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (التوبة ٣٦) ، والآية : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة ٥) ، وهى المعروفة بآية السيف ؛ وثانيهما : النهى عن الاعتداء ، والناسخ له الآية : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (البقرة ١٩٤) ، والصحيح أنه لا تعارض ولا نسخ ، فقد أمرنا فى هذه الآيات أن نقاتل من يقاتلنا ، ونهينا عن مقاتلة غيرهم ، وهو المراد من قوله تعالى «لا تعتدوا» ، فالقتال مسموح به لمن يقاتلوننا فحسب ، وقتال غيرهم اعتداء وتجاوز للضرر المسموح به. والنهى جاء عن قتل النساء والصبيان والرهبان والشيوخ من الأعداء ، لأن قتلهم لا يسوغ من المؤمنين. والمراد بالذين يقاتلوننا هم الذين يشتركون فى القتال ، والنهى هو نهىّ عمّن سواهم ، وهم الذين ليس من شأنهم أن يحملوا السلاح أو يشتركوا فى المعارك ، ومن ثم فإن القول بعدم قتل المدنيين من اليهود هو تفسير خاطئ ، لأن كل يهودى وإن كان مدنيا فإنه جندى احتياطى فى الجيش اليهودى ضد المسلمين. وتعبير الذين يقاتلونكم لا يعنى أنهم قد قاتلوا بالفعل ، ولا يعنى أننا لا نقاتل إلا إذا بدءونا بالقتال ، فطالما هو عدو فقتاله واجب ، ومباغتته أوجب. والنهى عن الاعتداء هو أن لا نقتل النساء غير المحاربات ، يعنى العجائز ، لأن نساء إسرائيل الشابات جميعهن فى الجيش. والذى تأمر به الآية ليس اعتداء ، وإنما هو انتصار للحق والعدل ، وردّ على الاعتداء ، وسمى اعتداء من باب المشاكلة ، وعلى ذلك فالآية غير منسوخة ، والآيات الأخرى تفسّرها وتكمّلها.