أن تجيزها الورثة». غير أن مقتضى آية الوصية إيجابها لكل قريب ، ومقتضى آيات المواريث منح بعض الأقربين حق خلافة الميت فى ماله دون بعضهم الآخر ، فليس بين الآيتين إذن تعارض يسوغ النسخ ، فما يزال دائما بعض الأقربين تجب لهم الوصية بمقتضى الآية.
والآية : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (البقرة ٢٣٣) : قيل نسختها بقية الآية : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما ...) وهذا استثناء ولا يعتبر نسخا ، والآية محكمة.
والآية : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٨٠) (البقرة) : قيل الآية تتحدث عن المدين المعسر ووجوب إمهاله حتى يوسر ، ولكن ذلك فى الدين الربوى. وقيل : إن الآية تنسخ بيع المدين المعسر فى دينه وفاء به ، ويوردون قصة عن مدين أمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يباع فى السوق لصالح الدائن ، وهذا لا يتفق مع ما يقرره الإسلام من كراهية الرق ، والحرص على تحرير الرقيق ، فكيف يتصور أن يكون من بين أحكامه هذا الحكم الذى يجعل الحرّ رقيقا؟ فدعوى أن الآية نسخته لا أساس لها إذن ولا تقبل.
والآية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (البقرة ١٨٣) : قيل نسختها الآية : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (البقرة ١٨٧) ، لأنه إذا كان الصوم فى الإسلام تشبها بمن قبلنا ، فإن ذلك يقتضى موافقة من قبلنا فى تحريم الوطء أيضا بالإضافة إلى الأكل ، فلما كان الوطء قد حلّل فإن آية الرفث تكون ناسخة لتشبيه صيام المسلمين بصيام من قبلهم. والصحيح أن الآيتين محكمتان ، وأن التشبيه بين صوم المسلمين وصوم غيرهم راجع إلى أصل وجوبه ، لا فى وقته ولا فى كيفيته ، ولذلك اختلف الصيامان فى كل شىء إلا الامتناع عن الأكل والشرب عموما.
والآية : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٤) : قيل الآية : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) منسوخة ، ونسختها الآية بعدها : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ). والصحيح أن آية : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) ليست بمنسوخة ، وتخصّ الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعما مكان كل يوم مسكينا. وقوله : (يُطِيقُونَهُ) فيه رأيان ، فيجوز أن يعود الضمير فى (يُطِيقُونَهُ) على الصيام ، ويصبح المعنى وعلى الذين يطيقون الصيام أن يطعموا إذا أفطروا لأى سبب ، وعلى ذلك فإن : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) نسختها ؛ والصحيح أن : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فيها تخيير ، والخير أن تصوموا طالما تطيقون