تعارض مسوغا للنسخ ، ونسخ القرآن لا بدّ أن يكون بالقرآن ، ونسخ السنّة بالسنة ، والإجماع لا ينسخ إلا بإجماع بعده ، ولا ينسخه القياس ، والقياس لا ينسخ نصا. ولا يجوز نسخ الخبر ، ولا آيات الوعد والوعيد لأنها أخبار ، ولا الأحكام الشرعية والاعتقادية ، ولا الأحكام الكلية ، ولا الأحكام التى دليلها من القياس ، ولا الحكم المؤقت ، ولا المؤبد. ولا ينسخ الحكم الشرعى بحكم شرعى معه ، ولا بحكم شرعى قبله. ولا يقبل الحكم العقلى النسخ ، ولا يعتبر نسخا لأنه ليس فيه رفع لحكم شرعى. ولا مجال للنسخ إلا إذا كان الناسخ والمنسوخ به نقيضين ، فإن كانا قطعيين فإن أحدهما ناسخ للآخر حتما ، وإن كانا ظنيين فأحدهما لا بد يرجح على الآخر.
والنسخ فى القرآن نوعان : ما نسخ حكمه وبقى نظمه ، وما نسخ حكمه ونظمه معا. والمصنفون فى النسخ كثيرون ، على رأسهم قتادة بن دعامة السدوسى المتوفى سنة ١١٧ ه ، وله فيه كتاب ، حفظه عنه ابن أبى عروبة وألف بدوره كتابا فيه. وللزهرى كتاب «الناسخ والمنسوخ» رواه غيره فلم يعد لكتابة اعتبار. وكذلك لأبى النصر محمد بن السائب الكلبى ، وأبى الحسن مقاتل بن سليمان البلخى ، والحسن بن واقد المروزى ، ومحمد بن إدريس الشافعى ، وأبى نصر البصرى ، وحجّاج بن محمد الأعور ، والقاسم بن سلام ، وجعفر بن مبشر ، وأبي داود السجستانى ، وابن الجوزى ، وهبة الله بن سلامة ، والسيوطى ، وأبى عبد الله بن حزم ، وأبى جعفر النحاس ، وابن سلام ، وعبد القاهر البغدادى ، وابن هلال ، والأسفراييني ، وابن خزيمة ، والكرمى ، والأجهورى.
* * *
(الآيات التى قيل إنها منسوخة وردّ هذا الزعم
١١٢٩ ـ سورة البقرة
الآية : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢) (البقرة) : قيل نسختها الآية : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران ٨٥) ، والصحيح أن الآية محكمة ولم تنسخ ، وهى فيمن ثبت على إيمانه من المؤمنين.
والآية : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة ٨٣) قيل : نسختها آية السيف ، والآية فى مكارم الأخلاق ، وآية السيف تنافيها ، لأن القتال أصلا لم يكتب على البشر إلا لإقرار مكارم الأخلاق.
والآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ