بتجدد أحوالهم وظروفهم. والنسخ عند الإسلاميين قوامه أن الله تعالى يعلم من قبل بالنواسخ والمنسوخات أو الأحكام وحكمها ، وبالعباد ومصالحهم ، وأن كل ذلك كان ظاهرا لديه لم يخف عليه شىء منه ، كما فى القول المشهور : شئون يبديها ولا يبتديها. وشتّان بين النسخ المنوط بالحكمة ورعاية المصلحة وبين البداء الذى يستلزم الجهل المسبق واستحداث العلم. وتفيد الآية : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣٩) (الرعد) : أن البداء وثبوت النسخ بمعنى من المعانى ، فالمحو يتم بمشيئته ، والإثبات يسير على إرادته ، وهو تعالى فى الأديان يمحو شريعة ويثبت شريعة ، وفى الأحكام يستبدل مصلحة فيها الخير بمصلحة أخرى أكثر خيرا من الأولى ، والتغيير والتبديل والمحو والإثبات فى المعلوم لا فى العلم ، وفى المخلوق لا فى الخالق ، وهذا هو اعتقاد المسلم سليم الإيمان.
* * *
١٠٢٨ ـ النسخ فى القوانين الوضعية وفى الشرائع السماوية
النسخ جائز فى القوانين الوضعية عند ما يتبين للمشرّع أن قانونا من القوانين أو مادة من المواد لا تحقق المصلحة العامة ، والمشرع حين يشرّع لا يعرف إلى متى سيستمر العمل بالقانون ، ولا ما سيئول إليه إذا تغير ، وعكس ذلك فى الشرائع السماوية ، لأن الله تعالى بسابق علمه يعلم ما سيبقى من الأحكام وما سينسخ ، فالنسخ بيان الحال ، وتقرير لما ينبغى ، والنسخ جائز عقلا ولا يترتب على وقوعه محال ، وفى كل الشرائع قد ينسخ حكم لمصلحة حكم ، وبعض المسلمين قالوا بالنسخ ، وأنه نسخ فى الإسلام حكم لصالح حكم ، واعتبروا الشريعة الإسلامية ناسخة للشريعتين اليهودية والنصرانية ، وأنكر بعضهم النسخ فى الشريعة الواحدة ، واستقبحه ـ كما سبق ـ أبو مسلم الأصبهانى المتوفى سنة ٣٢٢ ه ، وأنكر أن يكون فى القرآن آيات منسوخة ، واستشهد بالآية : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (فصلت ٤٢) ، ونسب إليها أنها تقرر أن أحكام القرآن لا تبطل أبدا. وأما الذين قالوا به فكان دليلهم من القرآن قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة ١٠٦) ، وقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣٩) (الرعد) ، وقوله : ، (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١) (النحل). والنسخ فى اللغة إزالة شىء بشيء ، وفى الاصطلاح إزالة بعض الأوصاف من آية بآية أخرى ، وفى الحديث إزالة بعض أوصاف الحديث بحديث آخر. وقيل : إن من المصطلحات فى النسخ التقييد والتخصيص والبيان : فالتقييد ناسخ للإطلاق ؛ والتخصيص ناسخ للعموم ، والتفسير ناسخ للإجمال. ولا يقع النسخ إلا مع التعارض ، وليس كل