رأيا جديدا ما نسخ القديم وبدّله. والبداء من بدا بدوا وبداءة وبداة ، أى نشأ له فيه رأى ، وفى القرآن : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (٤٧) (الزمر) ، وقال : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) (الجاثية ٣٣) ، أى ظهر بعد ما كان مستترا ، وفيه أيضا : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٣٥) (يوسف) يعنى نشأ لهم رأى جديد ، وهذا المعنى هو الذى يقصد إليه مصطلح «البداء» عند اليهود والرافضة : أنه تعالى قد يرى رأيا جديدا يخالف رأيه الأول ، ونسب الرافضة إلى أئمة كبار مثل جعفر الصادق أنه قال : «ما بدا لله تعالى فى شىء كما بدا فى إسماعيل» ، يعنى أنه قد اختار فيه أولا أمرا ثم غيّره إلى آخر ؛ ونسبوا إلى موسى بن جعفر أنه قال : البداء ديننا ودين آبائنا فى الجاهلية» ؛ كما نسبوا إلى علىّ بن أبى طالب القول : لو لا البداء لحدّثتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة» ـ يعنى أنه قد يحدّثهم عن شىء يقع فى المستقبل ، إلا أن الله قد يغير رأيه فيقع غير ما يحدّثهم ويبدو علىّ حينئذ وكأنه كذّاب. وكان الكذّاب المختار الثقفى المتوفى سنة ٦٧ ه (٦٨٧ م) ، يدّعى النبوة ونزول الوحى عليه ، وأن الله تعالى يطلعه على الغيب فيحدّث الناس به ، فكلما اختلف الأمر عمّا حدّثهم به اعتذر وقال : إن الله وعدنى ذلك غير أنه بدا له!
والقول بالبداء يستلزم أن الله يجهل ، وأن علمه حادث ، والجهل محال على الله لأنه نقص ، وأدلة العقل والنقل كلها مع كمال علمه تعالى ، كقوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) (الحديد) ، وقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩) (الأنعام) ، وقوله : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (٨) (الرعد). والرافضة قالوا بالبداء ، فقد وافقوا بشدّة على النسخ وأدخلوه فى تفسير القرآن. واليهود قالوا بالبداء لتبرير تغيير الشرائع السابقة على الموسوية بالشريعة الموسوية ، فإن الله تعالى لمّا بدا له شيئا آخر خلاف ما رأى سابقا غيّره ، فقبل موسى كان الرجل يجمع فى الزواج بين الأختين كما فعل إسرائيل ، وكان يتزوج أخته كما جرى لإبراهيم ، وبعد نزول التوراة حرّم ذلك ونسخت أوامره الأولى ، فلمّا قيل لهم إن المسيحية على ذلك تنسخ اليهودية ، والإسلام ينسخ الشريعتين النصرانية واليهودية ، أنكر اليهود إمكان نسخ اليهودية ، وصرّح النصارى بإمكان ذلك ولكنهم رفضوا أن ينسخ الإسلام شريعتهم. ومدار النقاش فى اليهودية والنصرانية النسخ وليس البداء ، وأما الرافضة فاعتقادهم كله يدور حول البداء. وعند ما قال الإسلاميون بالنسخ برّروا قولهم بأن الأحكام والمصالح تختلف باختلاف الناس ، وتتجدد