وصار المسلم يأكل فى الجماعات التى تدعى إلى الطعام ، وفى الإملاق فى السفر ، وعند القريب والصديق ، ووحده ، أو يشارك الآخرين فى نفقة الطعام ، وسمى ذلك النّهد ، وهو استقسام النفقة بالسوية ، ويقولون : هات نهدك يعنى نصيبك من تكاليف الطعام. وقيل : كان المسلمون يرغبون فى النفر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيدفعون مفاتحهم إلى زمناهم ويقولون لهم : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما أحببتم. وكانوا يقولون : إنه لا يحل لنا أنهم أذنوا عن غير طيب نفس ، فأنزل الله (.. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) إلى قوله (.. أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ..). وقيل : نزلت الآية فى حىّ من العرب ، كان الرجل منهم لا يأكل طعامه وحده ، وكان يحمله بعض يوم حتى يجد من يأكله معه. وقيل : كان الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتى يأكل الضيف معهم ، فنزلت الآية رخصة لهم. وقيل : كان العرب ومن بالمدينة قبل المبعث يتجنبون الأكل من أهل الأعذار ، فبعضهم كان يفعل ذلك تقذّرا لجولان اليد من الأعمى ، ولانبساط الجلسة من الأعرج ، ولرائحة المريض وعلّاته ، وهى أخلاق جاهلية ، فنزلت الآية مؤذنة. وبعضهم كان يفعل ذلك تحرّجا من غير أهل الأعذار ، إذ هم مقصّرون عن درجة الأصحاء فى الأكل ، لعدم الرؤية فى الأعمى ، وللعجز عن المزاحمة فى الأعرج ، ولضعف المريض ، فنزلت الآى فى إباحة الأكل معهم. وقيل : إن أهل الأعذار تحرّجوا فى الأكل مع الناس من أجل عذرهم ، فنزلت الآية مبيحة لهم. وقيل : كان الرجل إذا ساق أهل العذر إلى بيته فلم يجد فيه شيئا ذهب به بيوت قرابته ، فتحرّج أهل الأعذار من ذلك ، فنزلت الآية.
٢٢ ـ وفى قوله تعالى : (.. أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ..) (٦١) : قيل : نزلت هذه الآية فى الحارث بن عمرو ، خرج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم غازيا ، وخلف مالك بن يزيد على أهله ، فلما رجع وجده مجهودا ، فسأله عن حاله فقال : تحرّجت أن آكل من طعامك بغير إذنك. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
٢٣ ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦٢) : قيل : نزلت فى حفر الخندق حين جاءت قريش وقائدها أبو سفيان ، وغطفان وقائدها عيينة بن حصن ، فضرب النبىّ صلىاللهعليهوسلم الخندق على المدينة فى شوال سنة خمس هجرية ، فكان المنافقون يتسللون لواذا من العمل ويعتذرون بأعذار كاذبة. وقيل : نزلت فى عمر بن الخطاب ، استأذن النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى غزوة تبوك فى الرجعة ، فأذن له ، وقال : «انطلق فو الله ما أنت بمنافق» ، يريد بذلك أن يسمع المنافقين ، وقال له النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا حفص ، لا تنسنا