تأخذ بها ، وأما الحكم الذى يصدره القاضى فهو نافذ المفعول. ولا تعنى
الفتوى وجود خصومة ، ولكنها استيضاح لرأى الدين ، من أفتى إفتاء فى المسألة ، أى
أبان الحكم فيها وأخرج له فيها فتوى.
والمجتهد : هو
من يستدل على الحكم ؛ فى حين أن المفتى يبيّن الحكم ؛ والقاضى يلزم بالحكم ؛ وأما
الفقيه : فهو العالم بالحكم عن دليله ، والجمع فقهاء ، من فقه أى علم وفهم. وصفات
الجميع : القاضى ، والمفتى ، والمجتهد ، والفقيه ، واحدة ، والتغاير بينهم
بالحيثية ، فالشخص الجامع لهذه الصفات باعتبار حكمه على الأفراد بالأحكام يسمى
قاضيا ، وباعتبار إخباره عن الحكم يسمى مفتيا ، وباعتبار استدلاله عليه يسمى
مجتهدا ، وباعتبار علمه به يسمى فقيها.
ومن أقواله صلىاللهعليهوسلم : «القضاة ثلاثة : قاضيان فى النار ، وقاض فى الجنة :
قاض قضى بالحق فهو فى الجنة ، وقاض قضى بالهوى فهو فى النار ، وقاض قضى بغير علم
فهو فى النار» ؛ وقال : «القاضى على شفير جهنم» ، وقال : «من جعل قاضيا بين الناس
فقد ذبح بغير سكين». والقضاء من فروض الكفايات ، كالجهاد ، والأمر بالمعروف والنهى
عن المنكر ، ونصره المظلوم ، فإذا قام به البعض سقط عن الكل ، وإن تركه الكل أثموا
، وقد يصير واجبا عينيا إذا رفضه الكل ودعت إليه الحاجة ، ولذلك تولاه النبىّ صلىاللهعليهوسلم معلّما ، وتولاه قبله الأنبياء ، فكانوا يحكمون لأممهم
، وكان يقال : أعلم الناس بالقضاء أشدّهم له كراهة. ومن شروط القاضى : العقل
والبلوغ ، وأما الإسلام فاستدلوا على شرطيته بقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١٤١) (النساء) ، ومن ثم لا ينبغى التحاكم إلى أهل الجور.
والعدل من أهم
الشروط فى القاضى ، ولا يجدى العلم بدون العدل ، ومن العدل أن تجتمع للقاضى صفات
الكمال الخلقى (بالكسر) والخلقى (بالضم). والقاضى الكامل : من تمّت صفاته ؛ وكماله
فى خلقته : أن يكون متكلما ، سميعا ، بصيرا ؛ وكماله فى خلقه : أن يكون عادلا ،
فلا يجوز تولية من له سوابق فى الظلم ، أو من كانت له سيرة حياة يتسم فيها بالعنف
، أو الحيد عن الحق. ولا يجوز أن يتولى القضاء الفاسق ، ولا أولاد السفلة ، ولا من
فيه نقص يمنع الشهادة. ومن الكمال أن يكون القاضى من أهل الاجتهاد ، ويقتضى ذلك
منه أن يعلم القانون والشريعة ومصادرهما ، وأن يكون عارفا بالدين وملما بالعرف ،
ومحيطا بالسوابق القضائية ، ومجيدا للاستنباط والقياس ، ومبينا فى لغته ، وقويا من
غير عنف ، ولينا من غير ضعف ، لا يطمع القوى فى باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ،
وأن تكون العفة ، والورع والنزاهة ، والحلم ، والتأنّى ، والفطنة ، واليقظة من