بها» ، ثم قال : «يا قبيضة ، إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل حمّالة ، فحلّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله ، فحلّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ؛ ورجل أصابته فاقة ، حتى يقول ثلاثة من ذوى الحجا من قومه (أى أصحاب الرأى والسداد) : لقد أصابت فلانا فاقة فحلّت له المسألة ، حتى يصيب قواما من عيش. فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا» يأكلها صاحبها سحتا» أخرجه مسلم ، والسّحت هو الحرام. وروى عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : ذى فقر مدقع ، أو لذى غرم مفظع ، أو لذى دم موجع» ، والفقر المدقع هو الشديد ، والمفظع يعنى الشنيع ، وذو الدم الموجع الذى عليه دية. والغارم من هؤلاء هو الذى عليه دين ، سواء من تجارة ، أو من غرامة ، والدولة تدفع عن الغارم ، للنصّ الشرعى القرآنى فى الآية ، وحتى الغارم الميّت تتولى الدولة الدفع عنه ، للنصّ الشرعى فى الحديث : «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه : من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا (يعنى العيال يتهددهم الضياع والهلاك) فإلىّ وعلىّ». ولعمرى إنه لأعظم نصّ إنسانى فى التاريخ! ومن أعظم ما سنّته الشريعة الإسلامية أنه فى أحكام الإفلاس ، بالحجر على المفلس والتصرف بالبيع فى ماله ، يترك له مسكنه الذى يقطن فيه وأولاده ، ولا يخرج منه ، فإن كان السكن فيلا مثلا أو قصرا ، تصرّف السنديك المشرف على بيع مال المفلس ، فاشترى سكنا بسيطا له ولأولاده يناسب أحواله الجديدة ، ولا يخرجه من سكنه القديم إلا بعد إعداد السكن الجديد وانتقاله إليه. وأكثر من ذلك يترك له السنديك ما يفى بحاجاته إن كان شيخا أو من ذوى الهيئات ، إلا أن يكون قادرا على الكسب بما يفى بنفقته وأولاده ، فإن كان كسبه دون ذلك كمّله له ، وتقدّم نفقة الزوجة والأولاد والأبوين والأخوات على حقوق الغرماء عند توزيع أموال التفليسة. وإذا كان المفلس متوفى ترك السنديك للعيال ما يكفيهم ويقوم به معاشهم. ويقسّم حاصل بيع مال المفلس «قسمة الغرماء» ، فيحصل كل غريم منهم بقدر دينه ، وعندئذ ينفك الحجر عنه بحكم القاضى ، وإن ثبت إعساره لم يكن لأحد مطالبته وينفك الحجر عنه فى كل الأحوال.
وللمفلس فى مجال الأخلاق تعريف لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : «أتدرون من المفلس؟» قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال : «إن المفلس من أمّتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتى قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح فى النار». أخرجه مسلم.
* * *