ورموه وأعرضوا عنه لسبب من الأسباب ، ولذا سمّى منبوذا. وأما الطفل «الضائع» الذى فقده أهله ولم ينبذوه ، فليس لقيطا ، ويسلّم إليهم فى حال العثور عليه. واللقيط هو من اجتمع فيه النبذ وعدم الكافل ، وأن يكون غير مميّز ، لأن الصبى المميّز لا يسمى لقيطا فى نظر العرف ، لأنه غنىّ عن الحضانة والتعهّد ، ولأن الالتقاط يقتضى الولاية الشرعية للملتقط على اللقيط فى الحفظ والتربية ، والأصل عدم ولاية إنسان على إنسان ، فإن كان الطفل مميزا وغير مجنون لم تجب لأحد الولاية عليه ، وإنما تنبغى الولاية فى حالة الطفل الضائع ، ويقتضى الأمر ، من باب الحسبة ، أن يبلغه مأمنه من يجده ، وذلك شىء آخر عن الالتقاط ؛ وإجمالا تتبع أحكام اللقيط صدق هذا الاسم ، لأن الأحكام تتبع الأسماء ، وليس كل ضائع ، ولا كل من احتاج أن يدله آخرون ، يقال له لقيط ، ولا يصدق ذلك إلا على الطفل غير المميّز الذى نبذه أهله ولا يعلم لهم مكان.
والتقاط الطفل المنبوذ واجب على الكفاية ، وإن تركه الجماعة أثموا ، وإذا كان الملتقط أمينا أقرّ اللقيط فى يده ، وفى كل الأحوال يجب إبلاغ الشرطة وتحرير محضر بذلك ، ويصحّ للشرطة أن تدفعه إلى آخر ، أو إلى جمعية خيرية أولى منه ، وليس لكافر التقاط مسلم ، وإن وجد مع اللقيط مال فهو له ، وينفق عليه منه ، وتلزم الدولة بالإنفاق عليه إن تعذّر ذلك على الملتقط ، أو تجب نفقته فرض كفاية على المسلمين. ولقيط دار الإسلام مسلم ، ولا توارث بينه وبين الملتقط ، وإن ترك ميراثا فهو لبيت المال. وإن ادّعى نسب اللقيط واحد ينفرد بدعواه ، فإن كان مسلما لحق نسبه به إذا أمكن أن يكون منه ، وفى هذه الحالة يتوارثان ، وإن كان المقرّ به هو نفسه ملتقطة ، أقرّ فى يديه ، ولا حقّ للذمّى فى حضانته ، وتقبل دعوى المرأة بنسبه بإقرار زوجها أو إخوتها ، وإن ادّعته امرأتان فهو لمن كانت لها البيّنة ، وإن ادّعاه رجل وامرأة فهو لهما ويلحق بهما ويكون ابنهما بمجرد دعواهما ، وإذا جنى اللقيط جناية فحكمه حكم غير اللقيط ، فإن كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل ، اقتصّ منه ، وإن كانت موجبة للمال ، وله مال ، استوفى منه ، وإلا كانت فى ذمته حتى يوسر. وإن جنى أحد على اللقيط فى النفس جناية توجب الدية فهى للدولة ، وإن كانت الجناية عمدا فللقاضى أن يستوفى القصاص أو يعفو على المال أيهما أحسن للقيط. وإن كانت الجناية عليه دون النفس وبما يوجب الأرش ، قبل بلوغه ، فلوليه أخذ الأرش.
وأما لقطة الحيوان فجائزة على كراهية ، والحيوان الضائع يسمى ضالة ، وفى الحديث : «لا يأوى الضالة إلا الضال» ، وترتفع الكراهة إذا كانت الضالة فى معرض الهلاك ، فيكون التقاطها أفضل من تركها ، فإن كانت مما لا يخشى هلاكه لم يحلّ أخذها ، وإن أخذها فليسلمها للشرطة ، وقد تبقيها الشرطة فى يده أمانة ، والشرطة نائب الغائب