وسمّيت كذلك لأنها تجزئ عنهم ، أى تكفيهم أن يدفعوا الزكاة وأن ينخرطوا فى الجيش ، وتعادل «البدلية» التى يدفعها المسلم إذا أراد أن يستعفى من الجندية. وللذمّى ما للمسلم ، وعليه ما عليه ، ولا يجوز له أن يتصرف فى معاملاته المالية إلا وفق تعاليم الإسلام ، فلا يتعامل مثلا بالربا ، وفى القصاص يقتص منه كما يقتص من المسلمين ، وتقام عليه الحدود مثلهم. وللذمّيين كامل الحرية فى إقامة ديانتهم وتأدية شعائرها ، ومراعاة شرائع الزواج والطلاق عندهم ، والقاعدة الإسلامية المطبقة معهم هى : «اتركوهم وما يدينون» ، فإن لجأ الذمّى إلى محاكم المسلمين وطلب أن تطبّق عليه شريعة الإسلام ، فالأمر معه إما بالقبول أو بالرفض ، كقوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٤٢) (المائدة).
* * *
٢٢١٠ ـ الجزية زكاة وضريبة دفاع
لا تقابل ولا تشابه بين الزكاة فى الإسلام ، وبين الضرائب التى تتقاضاها الدولة الآن من المواطنين ؛ والجزية من الضرائب ، ويدفعها الذمّى نظير إعفائه من الجندية ؛ والفرق بين الزكاة والضريبة والجزية : أن الزكاة تدفع لله ونبيّه ، وهى حقّ الله فى المال ؛ وأما الضرائب فهى حق الدولة فى المال ، وتدفع للدولة بنيّة أنها واجبة ، للصرف منها على وجوه إنفاقها ، وهى مورد من موارد الدخل العام وميزانية الدولة ، وأما الزكاة : فهى فرض على كل مسلم ومسلمة ، ولم تكن فى دولة الإسلام ضرائب إلا ما عرفته بعد ذلك من طريق تقليدها للأمم ؛ وأما الجزية فهى أولا المقابل للزكاة التى يدفعها غير المسلم ، بالإضافة إلى أنها ضريبة دفاع فى مقابل أن الدفاع عن البلد منوط بالمسلمين وحدهم دون غيرهم ، والنصاب المالى الذى يدفعه الذمى هو المقابل لنصاب الدم الذى يدفعه المسلم زودا عن الوطن. ولذلك لم تفرض الجزية على النساء الذميّات ، ولا على الصبيان الذمّيين غير المكلّفين ، ولا على الأرقاء من أهل الذمة. وشرطها قوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) (التوبة) ، يعنى عن قدرة وغنى ورضا ، فلا يدفعها الفقير غير القادر ، ولا صاحب العاهة الذى لا يتكسّب ، ولا الراهب الذى لا يعمل ، ولا المجنون فاقد الأهلية. وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم قد فرضها دينارا فى السنة ، على كل راشد قادر من أهل الكتاب من أهل اليمن الذكور ، وضاعفها عمر على الكتابيين من أهل الشام ، فراعى الرسول صلىاللهعليهوسلم رقّة أحوال أهل اليمن ، وراعى عمر غنى أهل الشام ، وجعل عمر ذلك فيهم من قبل اليسار ، ومن ثم صارت الجزية تفرض بحسب الأحوال المادية لدافعها ، ولا حدّ لأقلها ولا لأكثرها ، والقاعدة فيها أنها لا يكلّف بها إلا قادر وفى حدود طاقته ، ولم يحدث أن فرضت جزية