قال للنبىّ صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، ألا تستعملنى؟ ـ يعنى سأله أن يخصّه بمنصب من مناصب الحكم ، فقال : «إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزىّ وندامة ، إلا من أخذها بحقّها ، وأدّى الذى عليه فيها». وقوله صلىاللهعليهوسلم أصل عظيم من أصول الحكم ، فالحكم أولا : لا ينبغى أن يتولاه ضعيف ؛ وهو ثانيا : أمانة ؛ ثم هو ثالثا : مسئولية سيسأل عنها يوم القيامة ، فمن طلب الحكم ودخل فيه بلا أهلية ، وبلا تقوى ، فلم يعدل ، وبغى وظلم ، وجار وطغى واستبدّ ، سيندم يوم القيامة ويجازى بالخزى ، وأما من كان أهلا له ، وعدل فيه ، فأجره عظيم ، وتظاهرت به الآيات والأحاديث ، وأفاض فيه القرآن ، ونوّهت به السنّة ، ولعل هذا هو سبب هرب الأكابر من تقلّد مناصب الحكم. وفى بلادنا يقتتل الناس على كرسى الحكم ، وتسفك بسببه الدماء ، وتستباح الأموال والفروج ، ويعظم الفساد فى الأرض بذلك ، ومن نكد الأيام أن حكّامنا لا يتركون الحكم إلا بالثورة عليهم وعزلهم ، أو بقتلهم ، أو بالموت يأتيهم من الله فيعسر حسابهم فى القبر ويوم القيامة ، ويتركون الحسرة والندامة لأولادهم ولأهليهم من بعدهم ، ودعاء الناس عليهم ولعنتهم لأسمائهم ، وسوء سمعتهم ، وسقوطهم من التاريخ.
* * *
٢٢٠٢ ـ بطانة الحاكم ومستشاروه
نهى الله تعالى عن استخدام غير المسلمين كمستشارين للحاكم ، قال : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (١١٨) (آل عمران) ، وبطانة الحاكم خاصته الذين يستبطنون أمره ، وأصلها من البطن خلاف الظهر ، والآية فيها تحذير من الدخلاء ، جمع دخيل ، وهو الذى يدخل على الحاكم أو الرئيس فى مكان خلوته ، ويفضى إليه بسرّه ، فيصدّقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر الشعب والناس ، ثم يعمل بمقتضاه. وفى الحديث : «ما بعث الله من نبىّ ، ولا استخلف من خليفة ، إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضّه عليه ، فالمعصوم من عصم الله تعالى» ، والنبىّ معصوم ، ولا يلزم أن يقبل الشر ممن يشير به عليه ، ولكن الخوف على الحاكم أو الرئيس أن يقبل قول من لا يوثق به ومع ذلك يحسن الظن به ، وبطانته هم أولياؤه وأصفياؤه وهؤلاء قد يضمرون له الشرّ ويسيئون له النصح ، أو قد تكون لهم مصالح يراعونها ، وأهداف أخرى ومقاصد يتوخونها ، وربما منهم العملاء للدول الأجنبية ، واختراق حاشية الرئيس من الأعمال التى تجيدها مخابراتها ، حتى قيل : إنه ما من دولة من دول العالم النامى إلا كان حاكمها نفسه من عملاء المخابرات ، وكانت بطانته من جواسيسهم عليه ، والآية والأحاديث تحذرنا من ذلك كل التحذير.
* * *