نفسى» ، وقيل : إن الزعماء حقا هم الذين تختارهم شعوبهم للحكم ، وهم يخشون أن يحكموا ، وللحكم عندهم هيبة وخوف من الوقوع فى المحذور ، فهؤلاء هم الذين نحن مأمورون بإعانتهم عليه إذا دخلوا فيه ، والأصل فى ذلك أن من تواضع لله رفعه ، وهذا محمول على غالب الزعماء ، لأن يوسف قال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٥٥) (يوسف) ، فزكّى نفسه استثناء من قوله تعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (٣٢) (النجم) ، والصحيح أنه لم يطلب الحكم للدنيا ، ولا للحسب والنسب والأبهة والملك ، وإنما سأله بالحفظ والعلم ، فقال : «إنى حفيظ عليم» ، فلو علم إنسان من نفسه أنه يقوم بالحكم بالحقّ ، وليس هناك من يصلح له غيره ، ولا من يقوم مقامه ، لتعيّن ذلك عليه ، ووجب أن يرشّح نفسه له ، ويخبر بصفاته التى يستحقها من العلم والكفاية وغير ذلك. وقيل إن يوسف كان نبيا ، ولا يعتدّ بقول نبىّ ، وإنما نحن بحيال بشر ولا ينبغى للبشر أن يزكّوا أنفسهم للحكم ، وإنما يزكّيهم الناس.
* * *
٢٢٠١ ـ حكومة الجاهلية
من قوله تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) (٥٠) (المائدة) ، وهى الحكومة التى تقوم فى غير زمن الجاهلية ولكنها تعمل بنظام الجاهلية ، فتسنّ التشريعات لصالح الأغنياء ضد الفقراء ، وتملّك الأغنياء وترشّحهم للمناصب والمجالس التشريعية ، وفى علم السياسة : فإن من يحكم هو من يملك ، وحكومة الأغنياء أو «الحكومة البلوتوقراطية» هى التى يتولاها الأغنياء ، وهم فى أى مجتمع قلّة ، وهم الكبار من الملّاك ورجال الأعمال ، وحكومتهم لذلك تسمى أيضا حكومة القلة ، أو الحكومة الأوليجاركية ، والأغنياء كانوا يحكمون ويتحكمون فى الجاهلية ، وكل زمن يسود فيه الأغنياء ويحكمون ويتحكمون يطلق عليه اسم الجاهلية ، ولم يسقط حكومة الأغنياء إلا النبىّ محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومحا عن الإنسانية الجاهلية ، وعادت الجاهلية مرة أخرى تتحكم فى العالم الإسلامى مع غلبة الرأسمالية ، ثم صار تحالف أغنياء العالم فيما يسمى «النظام العالمى الجديد» أو «نظام العولمة» ، وهو «إمبريالية جديدة» ، وأخضعت الأقلية الغنية حياة الأمة الأخلاقية والدينية والثقافية لمثل وقيم تجارة الجملة والسوق. والحكومة أو «الإمارة الجاهلية» قال فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أولها ملامة ، وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة» ، ونقيضها «إمارة الشورى» ، أو «حكومة الشورى» ، وقوامها الشورى ، والعدل ، والانتخاب الحرّ النزيه ، وتداول السلطة ، وفيها قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحلّها ، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقّها ، فتكون عليه حسرة يوم القيامة». وفى الرواية عن أبى ذرّ بإخراج مسلم : أن أبا ذرّ