الشعب فهى جائرة وباطلة ، والذين يصوغونها يسميهم القرآن «المسرفين» ، وفيهم يقول تعالى : (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) (١٥١) (الشعراء) ، ويصفهم وهم المفسدون فيقول : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) (٢٥٧) (البقرة) ، والطاغوت من الطغيان ، والطاغوت هو الحاكم المستبد رأس الضلال فى أمّته ، والمسلم ـ كما جاء فى الحديث : «عليه السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ، «إنما الطاعة فى المعروف» ، «ولا طاعة لمن لم يطع الله» ، والله هو الحق ولا يأمر إلا بالحق ، والحاكم إذا كان طاغية وجب عزله إجماعا ، وعلى كل مسلم القيام بواجبه ذلك ، فمن قوى على الاضطلاع بواجبه فله الأجر والثواب ، ومن داهن فعليه الإثم ، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض.
* * *
٢٢٠٠ ـ الساسة من طلاب الحكم
هؤلاء هم «المنافقون» فى المصطلح القرآنى ، لأنهم فى سبيل الاستحواذ على الحكم لهم طرقهم الملتوية ، وأساليبهم غير الشريفة ، وتمكين هؤلاء من الحكم منهىّ عنه ، وفى الحديث : «من سأل الإمارة وكل إليها» ، «ومن لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها» ، فطلب الحكم إذن مكروه ، ومن يحرص على طلبه ويسعى فيه لا يعان ، فمثله يخشى أن لا يحصل منه العدل إذا ولى ، وفى الحديث : «إنّا لا نولّى من حرص» ، والحريص على الحكم إن لم يكن له من الله العون ، لا يكون فيه كفاية عليه ، فلا ينبغى أن يجيبه الشعب على سؤله ، ولا أن ينتخبه ، وعليه أن يقاطعه ويعتزله ، ويعتزل من يعينه. والحكم فيه مشقة ، وله غواية ومنافع ، ويرضى النزعات إلى السلطة ، فما لم يكن الله قد أصفى نفس طالب الحكم من كل ذلك ، ووهبه حبّ الناس وخدمتهم ، لم يكن له منه عون ، فإذا فاز فإنه لا يفوز برضا الله ، ويبوء بسخطه ، ويخسر دنياه وعقباه ، وتزيد كراهية الناس له ، وما لم يكن المرشح للحكم يتصف بالتقوى ، فليس له أن يتعرض لطلب الترشيح أصلا ، وإن كان يريد الحكم ليعمل صالحا ، ويقيم معوجا ، ويعيد الحقوق لأصحابها ، ويرفع عن الناس الظلم والقهر ، ويمنع سلطان الأغنياء ، ويحمى البلد من الأجانب الطامعين ، ويعلّم الفقراء ، ويتيح لهم فرص العلاج والعمل ، ويعيد توزيع الثروة ، ويفرض الضرائب بالحق ، فلا ينبغى له أصلا أن يتعرض للطلب ، لأنه كما فى الحديث : «لو غلب جوره على عدله فله النار» ، وفى الانتفاضات الشعبية فإن الأمم تختار حكامها تلقائيا ، ولا يرشّح الحكام أنفسهم ، وتظهر الأحداث مصداقية الحكومات الشعبية التى يختارها الشعب. وأما فى أنظمتنا شبه الإسلامية ، فإن نظام الأحزاب يرشّح للحكم أعضاءه ، ويستعين لفوزهم بالشفعاء ، ويقال فيهم «وكلوا إلى أنفسهم» ، ومن وكل إلى نفسه هلك ، ولذلك كان الدعاء : «ولا تكلنى إلى