٢١٩١ ـ تغيير المجتمعات للأفضل بتحضير الرأى العام للثورة
هذه قاعدة من قواعد الاجتماع الإنسانى ، كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١١) (الرعد) ، فلكى تنجح الدعوة للإصلاح وتؤتى ثمارها لا بدّ أولا أن يفهمها الكافة ويعلموا بصحة ما تنادى به ، وعندئذ يوجد الميل القوى فى المجتمعات للتحوّل عن الوضع الذى هى عليه ، فالاشتراكية مثلا لا بدّ لكى تنجح أن يكون هناك رأى عام يساندها ، ورؤية واضحة لما تدعو إليه ، ويتم ذلك خلال ما يقال أنه مرحلة التحول الاشتراكى ، والآية تخبر أن الله لا يفرض الصواب على الناس فرضا ، فلا بد أن يتوفر الميل إلى إتيانه أولا ، والله لا يغيّر ما بقوم حتى يقع منهم التغيير أولا ، وهذا المبدأ من النواميس الكونية ، وهو حقيقة أو بدهية ، كقوله : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣٨) (الأحزاب).
* * *
٢١٩٢ ـ المجتمعات كالأفراد لها آجال
تبيّن بعد لأىّ لعلماء الاجتماع أن المجتمعات كالأفراد لها آجال ، وفى القرآن : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣٤) (الأعراف) ، والأمم تشيخ ، ولها مراحل شباب ، وطفولة ، وكذلك الحضارات ، فالحضارة اليونانية سادت لفترة ثم شاخت ومرضت وانتهى أمرها ، وتلتها الحضارة الرومانية ، وقبل ذلك كانت الحضارة المصرية القديمة ، والفارسية ، ثم كانت الحضارة الأوروبية وهى حضارة يهودية نصرانية ، وحتى الآن لم يزل الإسلام يحاول أن يبسط نفوذه ، ولا تزال الحضارة الإسلامية فى عنفوانها ، والناس يخلطون بين الحضارة الإسلامية والحضارة العربية ، وكلاهما لم يمت ، فما تزال الحضارة العربية تستوعب غيرها من الحضارات ولها إسهاماتها العالمية ؛ ولم تمت الحضارة الإسلامية ولكنها تمتد ، وتظهر عند شعوب لم يكن لها حساب ، كالألبان ، والبوسنيين ، والشيشان ، والأفغان إلخ. وفلسفة القرآن فى قيام الحضارات وازدهار الشعوب تختلف مثلا عن فلسفة «شبنجلر» الذى يقول بمثل ذلك ، غير أنه لا يربط بين الحضارات ، وعنده أن نهاياتها جبرية كما يقول فوكوياما ، فالحضارة لها صيف وربيع وخريف وشتاء تفقد فيه روحها وتجف ، ولم يقل لنا شبنجلر لما ذا تجف وتصبح مدنية بعد أن كانت حضارة؟ والإسلام والقرآن يبين ذلك ويفسّره ويوضحه ويوجزه فى هذه العبارة : أن كل حضارة مآلها إلى الزوال فقط إذا عتت وظلمت ، وأنكرت الله كما تفعل أمريكا الآن.
* * *
٢١٩٣ ـ نظام الحكم الملكى والجمهورى الوراثى
فى الآية : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) (النمل ٣٤) ،