المقصود بالملوك الطغاة ، ويجمع فى يده كل السلطات ، ويقيل الوزارات ويكلّفها ، ويختار الوزراء ، ويفصّل القوانين على هواه ، ويزوّر الانتخابات ، ويعيّن المحافظين والنواب وقواد الجيش والشرطة ، ويجعل من نفسه حاكما أبد الدهر ، ولا يستقيم له ذلك إلا بالإفساد ، وإذلال الرافضين ، واتهام المنكرين ، وممالأة الأعداء ، وأن يكون عميلا للمخابرات الأجنبية ، وحافظا لمصالح الدول الكبرى.
والنظامان الملكى والاستبدادى من أسوأ أنظمة الحكم ، وهذا شأن كل نظام سياسى يفرضه شخص واحد ، أو حزب واحد ، أو أسرة واحدة ، والأدهى أن يكون نظاما وراثيا ، وهو فى الغالب هكذا ، ومن شأنه الحط من أقدار الشعب ، فأن يملك رجل واحد أو يحكم حزب واحد أو أسرة واحدة ، بلدا بأسره ، فهذا هو نظام الرقيق على مستوى سياسى كبير. والإسلام لا يعرف هذا النظام ، لأن الإسلام مبنى على الشورى الملزمة ، والسلطة فيه لأهل الذكر والحل والعقد ، وهم أصحاب أعلى الثقافات وأوسع الخبرات ، بمعنى أن الحكومة فى ظل النظام الإسلامى هى «حكومة خبراء» ، ولم تسقط الدولة الإسلامية إلا عند ما فهمت الخلافة أو الإمامة أو سلطة الحكم فى الدولة ، على أنها نظام ملكى ، أو استبدادى ، أو جمهورى وراثى.
* * *
٢١٩٤ ـ الهدية للحاكم وحكم الإسلام فيها
الحاكم الدنيوى يقبل الهدية من مرءوسية وأصحاب المصلحة ، والحاكم بشرع الله لا يقبلها ، وإذا قبلها فبشروط. ولمّا أرسلت ملكة سبأ إلى سليمان بهدية ، كقوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) (٣٥) (النمل) ، كان ذلك من حسن نظرها وتدبيرها ، لأن الصالحين لا يرضيهم المال. وكان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يقبل الهدية ، ولكنه كان يثيب عليها ، يعنى يردّ الهدية بهدية ، ولم يكن يقبل الصدقة ، وكذلك سائر الأنبياء والصالحين ، وأهل الفكر ، وأصحاب المذاهب والمبادئ. وفى الحديث : «نهيت عن زبد المشركين» ، يعنى عطايا من لا يؤمنون بالله. والهدية فى حدّ ذاتها ، وبين الأنداد والإخوان ، مندوب إليها ، وتورث المودة ، وتذهب العداوة ، وفى الحديث : «تصافحوا يذهب الغلّ ، وتهادوا تحابوا تذهب الشحناء» ، والشحناء هى البغضاء ، وفى رواية : «تهادوا فإنه يضعّف الود ويذهب بغوائل الصدر» ، ويضعّفه يعنى يزيده ، وفى رواية قال صلىاللهعليهوسلم : «تهادوا بينكم فإن الهدية تذهب السخيمة» ، والسخيمة الغلّ. والخلاصة : أن الهدية لا تجب من صغير إلى كبير ، ولا من متعلم إلى عالم ، ولا من تابع إلى سيده ، فهذه رشوة ، وأما الهدية فتكون بين الإخوان والأنداد وهى آصرة.
* * *