عمّارا ، فأعطاهم ما أرادوا بلسانه ، وهذه هنة فى شخصية عمار ، وسنجده من بعد بسبب هذا الضعف فيه ، ينضم إلى الفتنة ويقاتل المسلمين مع علىّ. وقيل إن الرسول قال لعمّار من بعد يطمئنه : «كيف تجد قلبك؟» قال عمار : مطمئن بالإيمان! فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فإن عادوا فعد». وفى الارتداد عن غصب قيل إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قال : «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، والغصب هو أن يخشى المسلم على نفسه القتل ، فيظهر الشرك ويكون مرتدا فى الظاهر ، بينما هو على الإسلام فيما بينه وبين الله ، ومثل (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) (النحل ١٠٦) قوله : («إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)» (آل عمران ٢٨) ، والمكرهون على الكفر هم «المستضعفون» فى الآية : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) (٩٨) (النساء) ، والمكره المستضعف هو الذى لا يمتنع عن فعل ما يؤمر به سواء كان رجلا أو امرأة أو ولدا. والإكراه فى الفعل والقول سواء ، ولا إثم على من يكره فى هذه الحالة ، كدليل على الكفر ، على أن يشرب الخمر مثلا ، أو أن يترك الصلاة ، أو يفطر فى رمضان ، إلا أن يؤمر بقتل ، فعليه فى هذه الحالة ، الصبر على البلاء ويسأل الله العافية. وأما من يؤمر بزنا فيستحيل أن يفعله ، لأنه لن ينتصب أصلا مع التهديد ، ولا زنا بلا انتصاب ، فإذا كان المكره امرأة وأكرهت على الزنا فلا حدّ عليها ، لقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) ، ولقوله : (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٣) (النور). ولما عذّب المشركون سمية أم عمار ، سبّوها وقالوا لها إنها أسلمت من أجل الرجال ، فحاولوا معها الزنا ، وربطوها بين بعيرين ، وعرّوها ، وطعنوا فرجها بحربة حتى خرجت الحربة من فمها ، ولم تنطق سمية كلمة الكفر. والذى يكره على الكفر ويجريه على لسانه ، عليه أن ينطق به كالمعاريض ـ جمع معرض ، من التعريض وهو خلاف التصريح ، تقول عرفت ذلك فى معراض كلامه ، ومعرض كلامه ، يعنى أثناء كلامه ، فإن قيل له : قل : لا أقر بمحمد نبيا ، أو قل : إن عيسى ابن الله ، فليقل ذلك بلا اكتراث ولا احتفال ، وكأن الكلام لا يعنيه ، وقيل لى إن المسلمين فى البوسنة كانوا : يجبرون على نطق الكفر ، فكانوا يقولونه بلا اهتمام ، ويحرّفون فى الكلام ، وقلوبهم تستغفر ، والقرف يتملكهم. فمن يجبر على الكفر واختار القتل فأجره عند الله. وأما من شرح صدره للكفر ونطق به عن رضا ، محبة فى الحياة الدنيا على الآخرة ، فهؤلاء طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، ولم يكونوا من المسلمين أصلا ، وكانوا من الغافلين الخاسرين والمنافقين.
فأمّا الآية : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٦٦) (التوبة) ، فلم يكن كفر هؤلاء المعتدين أو المعذبين ارتدادا ، وكان جرمهم كما تقول الآية : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ