المسلمين ملوكا ، وإنما الخلافة من بعد وفاته تكون لأصحابه من النخبة ، وتدور فى دائرتهم ، لاستكمال ما بدأه ، ولترسيخ المفاهيم والدين ، ثم تكون ملكا للشعب ينتخب من يشاء من الأصلح. والحديث صادق فى مجموع سنين خلافة الخلفاء : سنتان لأبى بكر ، وعشر سنوات لعمر ، واثنتا عشرة سنة لعثمان ، وست سنوات لعلىّ ، فالمجموع ثلاثون سنة ، ثم بعد ذلك غلبت الشعوب للأسف على أمرها ، وصار الملك نهبا لمن يغتصبه ، ثم صاروا يحتكرونه لأبنائهم ، وحسبنا الله!
* * *
٢١٨٧ ـ بيعة الرضوان تحت الشجرة أول انتخاب حرّ فى التاريخ
الرضوان : مصدر من الرضا ؛ والبيعة : هى التولية ؛ وبيعة الرضوان : هى التى دعا إليها الرسول صلىاللهعليهوسلم لمّا أرسل عثمان بن عفان ليبلّغ عنه أنه يريد مكة لأداء العمرة ، وأنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظّما لحرمته ، فاحتبست قريش عثمان عندها ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنهم قتلوه ، وقال : «لا نبرح حتى نناجز القوم» ، ودعا إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان ، أى التى يبتغى بها «رضوان الله» ، وتمت «تحت الشجرة» ، فكان الناس يقولون : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بايعهم على الموت ، وقال آخرون : لم نبايع على الموت ولكنا بايعنا على أن لا نفر. ولم يتخلّف أحد من المسلمين ممن كانوا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا الجد بن قيس ، وكان تعداد من معه نحو ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم إن عثمان فى حاجة الله تعالى وحاجة رسوله» ، وضرب بإحدى يديه على الأخرى. وكان الناس قبل أن يسألهم البيعة قد تفرّقوا يطلبون ظلال الشجر ، فلما سألهم البيعة أحدقوا به ، وكانت هذه البيعة أول انتخاب حرّ فى التاريخ. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمن بايعوا : «أنتم خير أهل الأرض اليوم» ، وقال : «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» ، ونزل فيهم قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١٠) (الفتح) ، وقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٩) (الفتح) ، فالذى بايع إنما بايع الله بواسطة رسوله ، كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (١١١) (التوبة) ، وفى الحديث : «من سلّ سيفه فى سبيل الله فقد بايع الله» ، وتمت البيعة تحت شجرة سمرة بالحديبية. وكان أول من بايع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبو سفيان الأسدي ، فهو أول حرّ ينتخب فى أول انتخاب حرّ فى التاريخ.
* * *