والأمر من الله بالشورى حتى بالنسبة للنبىّ صلىاللهعليهوسلم وهو الموحى إليه ، كما فى الآية السابقة من سورة آل عمران. والشأن مع المستشار كالشأن فى الشورى ، والاختيار للمجالس النيابية فى ظل الديموقراطية لا يشترط له الأصلح ولا الأكثر علما ، بينما فى الإسلام تشترط العلمية كصفة أساسية فى المستشارين الذين هم أعضاء المجالس النيابية ، فما بالنا بمجلس نيابى فيه أميون ، ونصفه لا يحملون الابتدائية؟! وفى الحديث : «المستشار مؤتمن» ، لأنه من أهل العلم والخبرة ، وقلما يكون ذلك إلا فى عاقل ، وما كمل علم امرئ ولا دينه ما لم يكمل عقله ، فإذا استشير العاقل ، العالم ، الخبير ، التقىّ ، واجتهد فى الصلاح ، وبذل جهده ، حسنت مشورته ، ويقال :
شاور مشيرك فى الخفىّ المشكل |
|
واقبل نصيحة ناصح متفضّل |
فالله قد أوصى بذاك نبيّه |
|
فى قوله «شاورهم» و «توكّل» |
وما أحرى أن يكون هذان البيتان شعارا للمجلس النيابى فى بلادنا! وإنه لأمر غريب أن تؤلف وزارات فى بلادنا ، ويختار لها وزراء ، بلا استشارة من أحد ، مع أنه ما ندم من استشار ، ولا خاب من استخار ، وما شقى عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأى. واستن عمر الشورى لانتخاب رئيس الدولة لأول مرة فى العالم. والشورى تقوم على اختلاف الآراء ، والرأى فيها بالأغلبية ، وما ينتهى إليه المشيرون من رأى يلزم الكل ، وعلى الحاكم أن يعزم على تنفيذه ، وينهض عليه ، ويمضى فيه ، ويتوكل على الله كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (١٥٩) (آل عمران) ، والعزم هو ما بعد الشورى ، وهو الحزم ، أى التنفيذ بلا هوادة.
* * *
٢١٨٣ ـ البيعة لولى الأمر والانتخاب الحر
المبايعة مصطلح إسلامى ويضاهى إدلاء الناخب بصوته فى الانتخابات الرئاسية وفى أوقات الأزمات والاستفتاءات الوقتية ؛ وفى اللغة المبايعة معاهدة ، سميت بذلك تشبيها للمعاوضة المالية ، كما فى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (١١١) (التوبة). وانتخاب الرئيس أو مبايعته يعاوضها أن يكون هذا الرئيس فى خدمة شعبه ، وأن لا يطغى ولا يظلم ، ولا يطمع أن يكون رئيسا أبديا ، أو أن يئول الحكم إلى أبنائه من بعده ، وأن يقوم بما هو مفروض عليه من تأمين الناس والبلاد ، وأن يضمن لغير القادر التعليم والعلاج ومعاش البطالة والشيخوخة ، وأن تكون الملكية من حق الجميع ، وفرص الحكم على المشاع بين الناس ، ومصادر الثروة القومية فى أيدى أبناء الأمة ، وأن