فإن كان محسنا وأفضل من المرشح الجديد لها ، أعيد اختياره ، وفى كل الأحوال لا يزيد استمراره فى الحكم لأكثر من مدتين. وبمجرد إعلان اختيار الأمة للخليفة ، تلتزم بمبايعته والخضوع له فى حدود الشرع ، والمبايعة هى إقرار للاختيار ، فإذا تولى الخلافة يصبح رئيسا للدولة ، وبذلك يصبح الخليفة مفوضا منها فى كل الأمور العامة فى غير افتيات عليه أو معارضة له ، ليقوم بما وكل إليه من وجوه المصالح وتدبير الأعمال ، واختيار الوزراء المناسبين ، بشرط موافقة أهل الحل والعقد ونواب الأمة على اختياراته.
* * *
٢١٨١ ـ الاستخلاف من أصول الحكم فى الإسلام
فى كل الدول الديموقراطية يحكم الرئيس وله نائب ، ويتم انتخاب الاثنين معا ، ونائب الرئيس هو المستخلف بعد الرئيس. وفى الإسلام : قيل إن العمل جرى على الاستخلاف بثلاث طرق ، الأولى : طريقة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وفيها أشار وألمح إلى أن يخلفه أبو بكر ولكنه لم يصرّح ، وقال لعائشة لمّا مرض واشتد مرضه : «ادعى لى أباك وأخاك حتى أكتب كتابا» ، ثم قال : «ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر!» ، وقال : «معاذ الله أن يختلف الناس على أبى بكر!» فتأكد أن المراد بالخلافة هو أبو بكر ؛ والثانية : طريقة أبى بكر ، وقد سمّى عمر خليفة من بعده ؛ والثالثة : طريقة عمر ، وكان يرى ضرورة الاستخلاف وقال لابنه : «لو كان لك راعى غنم ، ثم جاءك وتركها ، لرأيت أن قد ضيّع ، فرعاية الناس أشد». وقال : إن الله يحفظ دينه». وفى رواية قال : «أن لا أستخلف فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يستخلف ؛ وأن استخلف فإن أبا بكر قد استخلف» ، فالفعل والترك عند عمر كان مشكلا ، وإنما يزيله أن دليل الترك فعله النبىّ صلىاللهعليهوسلم فلم يستخلف ، ودليل الفعل يؤخذ من عزمه صلىاللهعليهوسلم على الاستخلاف ، بما قاله لعائشة عن عزمه ، وهو لا يعزم إلا على جائز ، ولقد فهم أبو بكر من عزمه صلىاللهعليهوسلم جواز الاستخلاف ، فاستعمله ، وقبله الناس ؛ ورجح عند عمر الترك ، ولكنه لم يرد أن يترك الناس كالراعى الذى يترك غنمه ، فحصر الاستخلاف فى ستة ، أمرهم أن يختاروا منهم واحدا ، واختار عمر الستة بحيث اجتمع فى كل واحد منهم أنه من أهل بدر ، ومن أهل أحد ، وترك لهم أن يقدّموا منهم الأفضل للخلافة ، فكان طريق عمر طريقا وسطا ، فقد رأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين ، فجعل الأمر معقودا للستة ، اقتداء بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم وأبى بكر ، فأخذ طرفا من فعل النبىّ صلىاللهعليهوسلم وهو ترك التعيين ، وأخذ طرفا من فعل أبى بكر وهو العقد لأحد الستة وإن لم ينصّ عليه.
وعلى ذلك فإن الأمر فى الإسلام بشأن الرئيس يجوز فيه : أن يسمّى الرئيس من يخلفه ، بشرط أن لا يكون من أهله ولا أولاده ، وأن يكون أفضل من يراه صالحا للرئاسة