الشعب ، وللأمة أو الشعب حق إلغاء هذه الوكالة وعزل الخليفة أو الحاكم ، كما أن له حق محاسبته ، ومساءلته. وتستمد شرعية إقامة الحكومة الإسلامية من إجماع المسلمين بعد وفاة النبىّ صلىاللهعليهوسلم على وجوب انتخاب رئيس للدولة ، ولم يعوّلوا على القوة ، وأن يغتصب أحدهم الحكم عنوة ، ولم يرضوا بتحكيم العقل ، وإنما كان إصرارهم على تحكيم الشرع ، وضمان أن يكون الحكم لله ولرسوله بالقرآن والسنّة. ورفضت المعتزلة فكرة قيام حكومة إسلامية ، بدعوى أن العقل وحده يمكن أن يرجع إليه فى كل مسائل الدنيا مثلما يرجع إليه فى كل مسائل الآخرة ، والقاعدة الشرعية التى يحتكمون إليها : أن كل ما هو شرعى لا يصادر العقل ، وكل ما هو عقلى لا يصادم الشرع ، ولا خصومة بين العقل والشرع. وذهب البعض إلى القول بأن الدولة الإسلامية قد يكون من الواجب إقامتها ، ولكن نظام الخلافة ليس أنسب أنظمة الحكم ، وكان الخوارج على الرأى بأنه ما من ضرورة لوجود خلافة ولا أية حكومة ، فكانت هذه الفرقة هى أول فرقة فوضوية فى العالم قبل مجىء الفوضويين الروس فى القرن التاسع عشر. ومن أكبر المعارضين لنظام الخلافة والدولة الإسلامية الشيخ على عبد الرزاق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» ، بدعوى أن الإسلام نظام دينى لا شأن له بالحكم ، وأن أبا بكر لم يخلف الرسول صلىاللهعليهوسلم حقا بعد وفاته ، فالوحى انقطع بوفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وإنما كان أبو بكر منشئ دولة ، وهو عمل سياسى محض لا عمل دينى. وساعد الخلفاء من بعد أبى بكر على تثبيت فكرة الخلافة لميول فى أنفسهم للحكم الاستبدادى ، فعلّموا الناس أن طاعة الخلفاء يوجبها الدين ، وواضح أن هذا الكلام متأثر بالفكر الأوروبى القائم على فكرة فصل الدين عن الدولة ، والأمر يختلف فى الإسلام ، فالنبىّ صلىاللهعليهوسلم كان المبشّر والنذير ومؤسّس الدولة الإسلامية ، وهو الذى أرسى قواعد دعائم الوحدة الدينية للأمة ، وأول من صاغ مصطلح الأمة الإسلامية ، والدين والدولة إذن متلازمان فى الإسلام.
وإذا كان الأمر شورى فى الخلافة فقد أكد ذلك عمر بن الخطاب حينما حدد صفات معينة ينبغى أن تتوافر فى كل من الناخب والمرشح للخلافة. وفى كتاب «الأحكام السلطانية» للماوردى من هذه الشروط : أن لا يكون الناخب ولا المرشح للخلافة فاسقا فيما يعمل أو يعتقد ، وأن يكونا على درجة من العلم. ومن شروط الناخب أن يكون لديه الوعى والقدرة على اختيار الخليفة من بين المرشحين وإن كثروا ، وأن تكون للمرشح الرخصة والصلاحية لتولى منصب الخلافة والرئاسة. وكانت الطريقة التى اتبعها عمر بن الخطاب ، من أحسن طرق انتخاب الخليفة ، وكانت على مرحلتين ، فى الأولى ترشّح