الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) (٦١) (هود) ، وهو الإصلاح والارتقاء والتحضّر ؛ ٢ ـ السيطرة على المقدّرات وتنميتها والهيمنة على الأرض ومصادرها ، كقوله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١٣) (الجاثية) ؛ ٣ ـ التمكين من هذه السيطرة ، كقوله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) (١٠) (الأعراف) ؛ ٤ ـ معرفة الله وشكره وعبادته ، كقوله : (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) (٥٢) (إبراهيم) ، وقوله : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (١٥٢) (البقرة) ، وقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦) (الذاريات). وفى تاريخ مصطلح «الخليفة» ، وهو مصطلح قرآنىّ خالص ويخصّ الإسلام وحده لا غير ، يأتى أنه لمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتولى أبو بكر بعده ، نادوه فقالوا : «يا خليفة الله» ، باعتبار الآية : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٣٠) (البقرة) ، أو الآية : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (٢٦) (ص) ، فقال لهم أبو بكر مصححا : «لست خليفة الله! ولكنى خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم» ، وذلك هو الصحيح ، فما ينبغى أن ينسب البشر إلى من «ليس كمثله شىء» ، والبشر يخلفون ويستخلفون بعضهم البعض ، ولكنه تعالى لا يخلفه أحد ، وفى الآيتين اللتين ذكر فيهما الخليفة ، لم يأت أنه جعل آدم ولا نصّب داود خليفة له ، وعلى العكس فإنه الذى يستخلفهم ، أى ينصبّهم خلفاء ، أو يجعلهم خلائف لبعضهم البعض ، كقوله : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) (١٣٣) (الأنعام) ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) (١٦٥) (الأنعام).
ونظرية الخلافة فى القرآن ليست من النظريات الثيوقراطية التى تقول بولاية الفقيه ، فالخلافة متاحة لأىّ من أفراد الشعب طالما تتوفر فيه شروطها ، ومنها : العلم ، وطلاقة اللسان ، ورحابة الصدر ، واتساع الأفق الفكرى ، والمعرفة بأصول الحكم ، وممارسة الخدمة العامة ، والاشتغال بأمور السياسة ، والتمكن فى علم الاقتصاد ، وإتقان اللغات ، وإتقان الكلام والخطابة إلخ. والفقيه قد يمهر فى الدين ولكنه يجهل فى العلوم الأخرى. ولمّا سأل قوم طالوت نبيّهم أن يعين لهم رئيسا عليهم ، لم يرشح نفسه للرئاسة ، واقترح عليهم طالوت رئيسا ، وأسس اقتراحه على ثلاث ميزات فيه ، قال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (٢٤٧) (البقرة). وفى القرآن أن الخلائف ـ جمع خليفة ـ يتمايزون ، كقوله : (الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) (١٦٥) (الأنعام) ، فبحسب مفهوم كل خليفة عن الخلافة ، واتساع وضيق هذا المفهوم ، وعمله بمقتضاه ، تكون درجته بين الخلفاء. ومهمة الخلافة فى المقام الأول : حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى ، ويتضمن ذلك التزام الحاكم والمحكوم بمبدإ الشورى ، وأن الحاكم وكيل عن الأمة أو