بمعنى فضّل بعضهم على بعض ، فكأن استخدام مصطلح الدرجة به معنى المفاضلة ، بينما استخدام مصطلح الطبقة هو استخدام توصيفى ، ومن ذلك قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (١١) (المجادلة) ، أى يرفعهم فى الثواب فى الآخرة ، وفى الكرامة فى الدنيا ، ويرفع المؤمن العالم والطالب للحق على المؤمن العامى المفرّط فى الحق ، ويرفع المؤمنين الذين أوتوا العلم على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم ، وفى الحديث : «فضل العالم العابد مائة درجة». وهذه المفاضلة من الفضل وهو التقوى والبرّ ، والقرآن يأمر بالتعاون فى البرّ ، وليس التعادى والتصارع ، وفلسفة القرآن هى التعاون بين مختلف فئات الأمة ، وطبقات المجتمع ، كقوله : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (٢) (المائدة) ، والكلام فى الآية مقطوع من أوله ، فهو أمر لجميع الخلق بالتعاون فى الخير ، والتحاثّ على ما يزيده ، والنهى عمّا يعارضه ، وفى الحديث : «الدال على الخير كفاعله» ، وأيضا «الدال على الشرّ كصانعه» ، فكأن شعار القرآن : التعاون الطبقى class co ـ operation ، وليس الصراع الطبقى class struggle الذى تقول به الاشتراكية العلمية ، والحوار والجدل هما منهج التعاون ، ولذلك كانا منهج القرآن ، وليس الصراع strife إذن هو منهج القرآن. والقرآن يسمى «الرسل» النصارى «حواريين» ، كقوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) (آل عمران ٥٢) ، وفى الإغريقية هم «رسل» ، ومفردها «رسول apostolos» ، وهم فى اللاتينيةdiscipuli أى رسل ، واسم «الحواريين» ينفرد به القرآن ، من الحوار : وهو السؤال والجواب ، فمنهج المسيح فى رؤية القرآن ، كان التعليم من خلال الحوار ، والحوار فيه إقرار بالأنت أو الآخر فى مقابل الأنا ، على عكس الإملاءdictation ، وهو الأمر يصدر عن المملى للتنفيذ ، ومنها الكلمة الإفرنجيةdictator ، أى الطاغية أو الديكتاتور الذى دأبه إصدار الأوامر وعدم الاعتراف بالأنت أو الآخر ، فلا وجود إلا لأنا الديكتاتور ، وهو أنا متضخّم يشغل المساحة كلها بما فيها المساحة التى كان ينبغى أن تكون للأنت أو الآخر. فانظر إلى طريقة القرآن فى إطلاق الأسماء ، حيث يجعل الحواريين من الحوار ، فى حين أنهم عند النصارى مجرد أتباع المسيح أو تلاميذه المتلقين عنه! والذى يعنى القرآن هو هذا الحوار ، وفى القرآن هناك سورة تسمى «سورة المجادلة» (السورة ٥٨) ، يأتى فى بدايتها : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) (المجادلة ١) ، والمجادلة امرأة عرضت على الرسول صلىاللهعليهوسلم مشكلتها وحاورته وجادلته فيها ، فسكت ، فلما عاودت كلامها قال لها «ما أوحى إلىّ فى هذا شىء» ، فقالت : أوحى إليك فى كل شىء وطوى عنك هذا؟! قال : «هو ما قلت» قالت : إلى الله إذن أشكو لا إلى رسوله! والمجادلة بالفتح هى المساءلة للتعلم