يجأرون ويولون الدبر ، وأمثالهم دمّروا بما أترفوا فيه ، واستبدلهم الله بأقوام غيرهم ، يقول : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) (١٣) (الأنبياء) ، مثل أقوام نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وموسى ، وعيسى ، من الأمم القديمة ، والاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا من الأمم الحديثة ، وما نتوقعه لأمم أخرى حالية على رأسها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ، ودول حلف الأطلنطى ، والكثير من أمة محمد ، وعلى رأسها دول بعينها كتركيا وغيرها ، وكل هؤلاء والغون فى الترف. وركضهم فى الآية إنما فرار من الثورة ، أو من ملاحقات شعوبهم ، أو انقلاب المخابرات عليهم فى بلادهم وفى بلاد غيرهم.
ويقاوم المترفون التغيير ، لأنه قد يأتى بنظم قد تقضى على امتيازاتهم ونفوذهم ، أو تقوّض طبقتهم ، أو تصادر ثرواتهم ، فكرهوا التغيير وقاوموه جهدهم ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (٣٥) (سبأ) ، وقال : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (٢٣) (الزخرف) ، والأمة يعنى وجدوا آباءهم مجمعين على مذهبهم هذا الفاسد. والأمة أيضا هى الطريقة والدين ، فهم سائرون على طريقة الآباء فى الاستئثار بكل شىء ، وآخذون بملّتهم فى دحض الحق ، وإعلاء الطغيان وسحق المطحونين والفقراء ، يعوّقون ما فيه صلاح أممهم ، وتقدّم شعوبهم ، ولا أعدى للتقدم والعلم والمنطق والعقل ، ولحركة الحياة ، من المترفين.
* * *
٢١٧٠ ـ التعاون الطبقى وليس الصراع الطبقى
الطبقةclass هى المرتبة ، والاصطلاح محدث ، منه الطبقة الاجتماعية ، وطبقة العمال ، والقرآن يستخدم اصطلاحا أفضل من اصطلاح الطبقة هو الدرجة ، كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) (الأنعام) ؛ والطبقة اصطلاح فيزيائى ، والدرجة اصطلاح كيفى قيمى ، بمعنى الرتبة والمنزلة والقيمة ، نقول «الطبقة العليا من المجتمع» ونقصد شريحة الأغنياء والحكّام ، ولا نقول الدرجة العليا من المجتمع ، بينما نقول درجة الحرارة ، والدرجة المئوية ، ونقصد الحالة ، ونقول استدرجه ، أى رقّاه من درجة إلى درجة أعلى ، فالدرجة للكيف والقيمة ، بينما الطبقة للوضع الاجتماعى ، وفى القرآن يقول تعالى فى الأنبياء : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) (البقرة ٢٥٣) ،