الصيام ، وإن لم يجد لا الهدى ، ولا الإطعام ، ولم يستطع الصيام ، فلا شىء عليه ؛ وليس عليه أن يحلق لأنه قد ذهب عنه النّسك ، فلمّا سقطت عنه بالإحصار جميع المناسك كالطواف والسعى ، سقط عنه سائر ما يحل به المحرم من أجل أنه محصر ، وليس عليه تقصير ولا حلاق ، وإن حلق فلا شىء أيضا ، والحلق أفضل لأنه من النسك الذى يقدر عليه ، فإن لم يقدر عليه من مرض أو ضعف أو غيره فلا شىء. والحلاق أحسن من التقصير ، لأن النبىّ صلىاللهعليهوسلم دعا ثلاثا للمحلّقين ، ودعا مرة واحدة للمقصّرين ، وفى ذلك دليل على أن الحلق فى الحج والعمرة أفضل من التقصير ، وهو مقتضى قوله تعالى : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) (١٩٦) (البقرة) الآية ، فلم يقل تقصّروا. ولا تدخل النساء فى الحلق ، والتقصير للنساء سنّة ، وفى الحديث : «ليس على النساء حلق إنما عليهن التقصير» أخرجه أبو داود. وتقصّر المرأة من كل ضفيرة مثل الأنملة ، أو ثلاثة أصابع مقبوضة ، أو الثلث أو الربع ، والشابة خلاف القاعدة.
* * *
٢١٥٤ ـ فما ذا لو أضطر أن يحلق وهو فى الحلّ؟
الحلاق بعد نحر الهدى ، فمن يضطر أن يحلق أو يأتى بشيء من الحل قبل الهدى ، فعليه فدية : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (١٩٦) (البقرة) ، ولما رأى النبىّ صلىاللهعليهوسلم كعب بن عجرة وقد تفشّى القمل فى رأسه أثناء الإحرام ، وقمله يتساقط على وجهه ، أمره أن يحلق وهو فى الحديبية قبل أن ينحر الهدى ، وأنزل الله الفدية ، فأمره أن يطعم ستة مساكين ، أو يهدى شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام ، والموجب للفدية الحلق للأذى والمرض. وفى الرواية أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قال لكعب : «أحلق واهد هديا» فقال : ما أجد هديا. قال : «فأطعم ستة مساكين» ، فقال : ما أجد. قال : «صم ثلاثة أيام». وظاهر الحديث الترتيب ، أى الاختيار أولا فأولا ، وأن المحرم ممنوع من حلق رأسه أو جزّه أو إتلافه بحلق أو نورة أو غير ذلك إلا فى حالة العلّة ، وعليه الفدية حينئذ ، ومثل ذلك من لبس المخيط ، أو غطى رأسه أو بعضه ، أو لبس الخفّين ، أو قلّم الأظافر ، أو مسّ الطيب ، أو حلق شعر جسده ، أو اطّلى ، أو حلق مواضع المحاجم ، والمرأة مثل الرجل ، وعلى الرجل الفدية ، وعلى المرأة مثل ذلك فى الحلق ـ وإن لم يكن فيه طيب ، وعلى المرأة الفدية إذا غطّت وجهها أو لبست القفازين ، وأكثر أهل العلم يساوون فى الفدية بين العامد والناسى ، إلا الشافعى فلا يجعل فدية على الناسى ، وفى الحديث أن الناسى معفى فلا شىء عليه. والفدية تكون فى أى مكان ، وما يذبح كفدية سمّاه القرآن نسكا ولم يسمه هديا ، فلا يقاس على الهدى ، ولا يعتبر هديا ، ولما أمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم كعبا بالفدية لم يكن بالحرم. والنّسك : جمع نسيكة وهى الذبيحة ينسكها العبد لله تعالى ، ويجمع أيضا على