الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معي واحد». وعند الطبراني الرجل اسمه غزوان ، وحلب له سبعة شياه فشرب لبنها كله ، فلمّا أسلم مسح رسول الله صلىاللهعليهوسلم على صدره ، فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها ، وسأله النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «مالك يا أبا غزوان»؟ قال : والذي بعثك نبيا لقد رويت. قال له : «إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا معى واحد». وبرواية أحمد فإن الرجل هو أبو بصرة الغفاري ، أو أنه أبو فضلة أو نضرة الغفاري. والمراد بالحديث ليس ظاهره ، وإنما هو مثل يضرب للمؤمن وزهده فى الدنيا ، والكافر وحرصه عليها ، فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل فى معى واحد ، والكافر لشدّة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل فى سبعة أمعاء ، فليس المراد حقيقة الأمعاء ، ولا خصوص الأكل ، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها ، فعبّر عن الدنيا بالأكل ، وعن أسباب ذلك بالأمعاء. أو أن المعنى أن المؤمن يأكل الحلال ، والكافر يأكل الحرام.
والحلال أقل من الحرام في الوجود. أو أن الحديث يحتمل على الرغبة في الدنيا ، كما نقول فلان يأكل الدنيا أكلا ، بينما المؤمن لا يتناول منها إلا القليل ، ويستكثر منها الكافر. والحديث يحضّ على قلة الأكل إذا علمنا أن كثرة الأكل صفة الكافر ، والمؤمن يأنف أن يتصف بصفة للكافر ، كما يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) (محمد ١٢). غير أنه يوجد بين الكفّار من يأكل أقل ، وعكسه بين المؤمنين ، وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله. والحديث في مجمله : أن الإيمان قد غيّر هذا الرجل ، وكان في كفره يأكل في سبعة أمعاء ، فصار في إسلامه يأكل في جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر. ومن شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ، ولعلمه أن مقصود الشرع من الأكل ما يسدّ الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة ، بينما الكافر لا يقف مع مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه ، فصار أكل المؤمن إذا قورن بأكل الكافر كأنه بقدر السبع منه. والمراد بالمؤمن في الحديث : التام الإيمان ، والذي يحسن إسلامه ويكمل إيمانه ، ويشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده ، فتمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته ، كما في الحديث : «من كثر تفكّره قلّ طعامه ، ومن قلّ تفكّره كثر طعامه وقسا قلبه» ، والحديث الآخر : «إن هذه الدنيا حلوة خضرة ، فمن أخذها بإشراق نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع» ، وعلى هذا فالمؤمن من يقتصد في مطعمه ، والكافر من شأن كفره الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ، ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية. والمؤمن يسمى الله عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان ، فيكفيه القليل ، والكافر لا يسمى فيشركه الشيطان. وفي الحديث عند مسلم : «إن الشيطان يستحق الطعام إن لم يذكر اسم الله تعالى عليه». والمؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه ، وفي مأكله ، فيشبع