٢٠٧٧ ـ هل يأكل المسلم إلى أن يشبع؟
المسلم يجوز له أن يأكل حتى يشبع ، وفي حديث أنس عن تكثير الطعام ببركة النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال إنهم أكلوا حتى شبعوا ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : شبعنا من الأسودين ، التمر والماء. وقالت : الآن نشبع من التمر. ووصف أنس صوت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : سمعته ضعيفا أعرف فيه الجوع ، وكأن أنس لم يسمع في صوته صلىاللهعليهوسلم لما تكلم وقتها ـ الفخامة المعهودة فيه ، فحمل ذلك على الجوع بقرينة الحال التي كانوا فيها. وقيل : وفي ذلك ردّ على من يكذّب الأحاديث التي يذكر فيها أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يجوع ، ويحتجون بالحديث : «أبيت يطعمني ربّي ويسقيني». وربما كان جوعه صلىاللهعليهوسلم ليتأسّى به أصحابه ، ولا سيما من لا يجد مددا وأدركه ألم الجوع ، لعله يصبر فيضاعف له الأجر. وإذا كان الشبع جائز في الإسلام فتركه أفضل صحيا ونفسيا واقتصاديا وتربويا ، والأكثر من ذلك أن تركه مندوب إليه دينيا ، فعن سلمان وأبي جحفة أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة». والشبع وإن كان مباحا ، فله حدّ لا بد أن ينتهي إليه ، وما زاد على الحدّ فهو سرف ، والمطلق منه ما عان الآكل على طاعة ربّه ، والمنهىّ عنه هو الشبع الذي يثقل المعدة ويثبّط صاحبه عن القيام للعبادة أو أداء ما يجب عليه ، ويفضى إلى البطر والأشر والنوم والكسل. وقد ينتهى الأمر بكراهية الشبع إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة. وشبع المسلم على أي حال هو الشبع الذي يحضّ عليه الحديث : «ما ملأ آدميّ وعاء شرا من بطن! حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن غلب الآدمى نفسه فثلث للطعام ، وثلث للشراب ، وثلث للنفس». ولو سمع حكيم الأطباء بقراط أو إبقراط هذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وقال الغزالى : ما سمعت كلاما في قلة الأكل أحكم من هذا! ـ ولقد بلغ من حكمة المسلمين أن اختلفوا فى حدّ الجوع ، فلو أن الجائع أقبل على الخبز وحده ولم يبال إن كان معه أدم أم لا ، فهو قطعا جائع ، وإن طلب معه الأدم ـ أى الغموس ، فهو ليس بجائع هذا الجوع المعهود ، وهو الجوع الذي جعلوا من علاماته أنه إذا وقع ريق الجائع على الأرض لم يقع عليه الذباب! والشبع عند المسلمين مراتب ، وليس من ذلك شىء في اليهودية ولا فى النصرانية ، ولا فى أى من المذاهب الفلسفية والنفسية فى الجوع والشبع فى أى من بلاد الدنيا إلا عندنا نحن المسلمين ، وخاصة عند الصوفية ، ومنهم أهل الصّفّة المشهورين. ومراتب الشبع عند المسلمين تنحصر فى سبع : المرتبة الأولى : ما تقوم به الحياة والشبع فيها واجب ؛ والثانية : أن يزيد حتى يصوم ويصلى عن قيام ـ وهو واجب أيضا ؛ والثالثة : أن يزيد الشبع حتى يقوى المسلم على أداء النوافل ـ وهذا مستحب ؛ والرابعة : أن يزيد الشبع حتى يقدر على التكسّب ـ وهو