وجمع الله لموسى فى عصاه من البراهين العظام ، والآيات الجسام ، ما آمن به السحرة اللئام. واتخذها سليمان لخطبته وطول صلاته. وكان ابن مسعود صاحب عصا النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان يخطب وعصاه فى يده. فلما دخل الشعوبيون الإسلام أنكروا استعمال العصا ولم يحفلوا لمعانيها ، والشعوبية يبغضون العرب ، ويفضلون أن تتفكك دولة الإسلام ويكون لكل منهم دولته ويحكم شعبه ، وقيل لواحد من أهل الله : مالك تمشى على عصا ولست فى حاجة إليها؟ قال : أعلم ذلك ، ولكنى أعرف لذلك أنى على سفر ، وأن الدنيا دار فوات ، وأن العصا من آلة السفر.
* * *
٨٢٣. الوادى المقدّس طوى بين التوراة والقرآن
فى التوراة أن موسى عند ما ناداه الربّ أسفل جبل حوريب من أرض سيناء ، وناداه من وسط نار اندلعت فجأة ، قال له : «لا تدن إلى هاهنا. اخلع نعليك من رجليك فإن الموضع الذى أنت قائم فيه أرض مقدسة» (الخروج ٣ / ٥) ؛ وفى القرآن أن موسى لمّا رأى النار استأذن أهله ليلتمس منها قبسا أو لعله يجد عليها من يهديه الطريق ، قيل : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٢) (طه). والروايتان مختلفتان ، ويكذب جولدستيهر عند ما يقول إن محمدا أخذ المشهد من التوراة ، فأولا : ليس فى التوراة أن موسى كان مع أهله ، وأنه ذهب يلتمس نارا : (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (١٠) (طه) ؛ وثانيا : لم تذكر التوراة أن المكان كان واديا واكتفت بأنه أرض ، وفى القرآن هو واد مقدس ، وأضاف إليه كلمة طوى. والوادى أكثر توصيفا من الأرض ، وشمل التوصيف النار وأسباب ذهابه إليها ، وما الذى كان يرجوه منها أو يرجو أن يجده عندها ، ثم عرّفه الله تعالى بنفسه ولم يترك موسى نهبا للدسائس كما فى النصّ التوراتى ، وعلى عكسه كان النصّ القرآنى حافلا بالتفاصيل ، وما قاله الله تعالى أوجز الرسالة كلها فيما تلا ذلك من آيات ، قال : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) (١٦) (طه). والشبه بين نصّ التوراة ونصّ القرآن قوله : «اخلع نعليك» ، وفى نص التوراة يزيد «اخلع من رجليك» وهو قول عجيب لأن النعلين لا يكونان إلا فى الرجلين ، فالبلاغة مفتقدة فى نصّ التوراة. وفى الفقه الإسلامى اعتبر هذا الأمر بخلع النعلين ، أمرا بخلعهما فى الصلاة. والخلع هو النزع ، وهدفه إظهار الخشوع والتواضع عند المثول فى حضرة الله ،