ولذلك خلع المؤمنون نعالهم فى طوافهم بالبيت إعظاما للحرم ، وفى فلسفة ذلك عند المسلمين ـ ولا شىء من ذلك عند اليهود ـ أن الله تعالى بسط للمؤمنين بساط النور والهدى ، فلا ينبغى لهم أن يطئوا بساط الربّ بنعالهم. وقال صوفية المسلمين ـ ولا شىء منه عند اليهود : إن خلع النعلين هو تفريغ للقلب من أمر الأهل والولد ، ونحن فى الأحلام مثلا إذا حلمنا بنعلين فمعنى ذلك أن الحاكم يتزوج. وقد أمر النبىّ صلىاللهعليهوسلم بخلع النعال عند زيارة القبور ، وصلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره ، وقال : «إذا صلى أحدكم فليخلع نعليه بين رجليه» يعنى لا يؤذى بهما من أمامه. وقورن بين موسى ومحمد عليهماالسلام ، فقيل إن أول تعليم لموسى أن يخلع نعليه ، بينما كان أول تعليم لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥) (العلق) ، فذلك قمة التعليم وقمة الحضارة والرقىّ. وكذلك جاء فى وصف الوادى المقدس فى القرآن «طوى» زيادة على نص التوراة ، وقال المفسرون إن طوى هو اسم الوادى ، وإنه لأمر عجيب فلا نعرف أن بسينا واديا اسمه طوى. وقالوا إن طوى يعنى المستدبر كالطّوى ، وواضح أن ذلك أمر بعيد فشتّان بين الكلمتين. وقالوا هو الطّوى بالكسر ، إلا أن هذا الأخير اسم موضع بالشام والقصة فى سيناء وليست فى الشام ، وقالوا إن «طوى» تعنى «مرتين» ، وهو إذن المقدس مرتين ، وهو قول بعيد. ويتبقى هذا التفسير المعقول : أن طوى تعنى أنه واد يمكن اجتيازه والسير فيه آمن ، أو أن موسى طوى الوادى بالليل ، يعنى قطعه ، فيكون المعنى : إنّك فى هذا الوادى الذى طويته فى الليل بموضع مقدس ، وهو مقدس لأن الله تعالى يجعل لبعض الأماكن زيادة فضل على فضل ، وكذلك لبعض الشهور والأيام ، ولله أن يفضّل ما يشاء.
* * *
٨٢٤. شجرة موسى
فى حديث الإسراء أن جبريل أمر البراق أن يتوقف عند شجرة موسى وصلى ركعتين ، وكذلك صلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم. وفى حديث موسى ـ أى قصته ـ أنه لمّا استوفى العقد مع حميه شعيب وأخذ أهله ، وصل بهم إلى الوادى المقدس طوى ، وهناك آنس نارا فذهب يأتيهم بقبس منها ، ولعله يجد عندها هدى ، فلما أتاها نودى من الشجرة : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) (طه) ، وفى الرواية الأخرى : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣٠) (القصص) ، قيل كانت النار مشتعلة فى الشجرة رغم أنها خضراء ، فما كانت النار تحرقها ، وما كان لها دخان ، ولا كان لها دفء ،