بعد ذلك فتح أيوب فاه ولعن يومه وقال : لا كان نهار ولدت فيه ، ولا ليل قيل فيه قد حبل برجل. ليكن ذلك النهار ظلاما ، ولا رعاه الله من فوق ، ولا أشرق عليه نور. لتستبد به الظلمات وظلال الموت ، وليقر عليه غمام ، ولتروّعه كواسف النهار.
أقول لله لا تؤثّمنى. أعلمنى على أى شىء تحاكمنى؟ على علمك بأنى لست بمنافق ، وأنه لا منقذ لى من يدك؟ أذكر أنك صورتنى مثل الطين ، أفتعيدنى إلى التراب؟
إنما الحكمة عند الأشيب ، والفطنة فى طول الأيام. الله عنده الحكمة والجبروت ، وله المشورة والفطنة. ذلك كله رأته عينى وسمعته أذنى وفطنت له. وما تعلمون فإنى أنا أيضا أعلمه لا أقصر عنكم فى شىء. لكننى إنما أخاطب القدر وأود أن أحاجّ الله. اسكتوا عنى فأتكلم مهما أصابنى. أمرين يا ربّ لا تفعل بى. أزل عنى يدك ولا تروعنى هيبتك.
الإنسان مولود المرأة ، قليل الأيام ، كثير الشقاء. فاصرف عنه طرفك ليستريح إلى أن يفى نهاره كالأجير.
أيامى قد انقضت وتقطّعت مآربى التى هى حظ قلبى. جعل ليلى نهارا ، ونورى يكاد يكون ظلاما. ما رجائى؟ إنما الجحيم بيتى ، وفى الظلام مهدت مضجعى. قلت للفساد أنت أبى ، وللديدان أنت أمى وأختى. إذن أين رجائى؟ رجائى من يراه؟ إنه يهبط إلى أبواب الجحيم. لا جرم إن فى التراب لراحة.
* * *
٨٠٥. نهاية أيوب من سفر أيوب
بعد أن يتفلسف أيوب ـ كما جاء بسفر أيوب ـ ويطرح أسئلة الشك عنده ، والتمرّد على وضعه ، يبدى الندم والاستغفار ويتوب إلى ربّه ، ويصلى من أجل أخلائه ، فيردّ الربّ عنه بلاءه ، ويرجع إليه ماله وعياله ، ويزيده ضعف ما كان له قبلا ، ويبارك آخرته أكثر من أولاه ، فيكون له من الغنم أربعة عشر ألفا ، ومن الإبل ستة آلاف ، ومن البقر ما يزحم ألف فدان ، وألف أتان. وكان له سبعة بنين وثلاث بنات. ولم توجد نساء فى الحسن فى الأرض كلها كبنات أيوب ، وأعطاهن أبوهن ميراثا بين إخوتهن ، وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة ، ورأى بنيه وبنى بنيه إلى أربعة أجيال ، ثم مات شيخا مؤمنا قد شبع من الأيام ، وهذا كله من بركة الإيمان! ونظيره قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف).
* * *
٨٠٦. قصة الألوف الذين خرجوا حذر الموت
هؤلاء من بنى إسرائيل تذكرهم الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ