وتخطئ كتب التفسير العربية بأن تجعل اسم العزيز ـ أى العزيز الجانب ، والقوى الذى لا يقهر ولا يغلب ـ هو الفرعون. فلم يحدث أن سمّى ملك مصر باسم العزيز ـ وإنما «العزيز» اسم منصب الوزير الأول فى آشور ، ويضاهى الآن رئيس الوزراء. وينبغى التنبيه إلى أن أحداث قصة يوسف وقعت ـ لا فى مصر التى نعرفها بحجمها الكبير وناسها المصريين ، وإنما كان مكانها هو أرض جاسان ، وهى الإقليم الشمالى الشرقى من أرض مصر ، حيث محافظتا الشرقية والإسماعيلية الآن ، وكانتا مستعمرتين للآشوريين من أهل آشور وبابل ، جاءوا إلى هذه الأرض واقتطعوها وسكنوها باسم الهكسوس كما أشاع المؤرخ اليهودى مانيتو عنهم. وجاسان كانت كبيرة المساحة ، ولمّا حضر يعقوب وأولاده أسكنهم يوسف أرض جاسان. وإذن فالعزيز هذا كان أجنبيا ، من بلاد بابل التى اسمها آشور. وامرأة العزيز هى التى قيل عنها أن اسمها زليخا ، ولا يرد عن اسمها فى التوراة ، ولا فى القرآن. وقصة القرآن مختلفة تماما عن قصة التوراة ، وفيها الكثير من التفاصيل والحكم والعظات والعبر. وقصة التوراة بسيطة ، ولا تعقيد فيها : فامرأة العزيز هذه ـ أو بالأحرى امرأة فوطيفار ، لمّا رأت يوسف وهو شاب فى السابعة عشرة ، راودتها نفسها أن تضاجعه ، والغريب فى قصة التوراة أنه يرد بها أن فوطيفار كان خصيا! فلما ذا تزوّج إذن؟ وهل لهذا السبب كانت زليخا سيئة السمعة والسلوك؟ واسم زليخا ليس اسما مصريا ، ولا كان اسم فوطيفار مصريا ، بل كلهم آشوريون وساميون مع بعضهم البعض ، ومن الخطأ أن ينسب التوراة لهذه الشخصيات أنهم مصريون ، ولنلاحظ أن فرعون موسى أيضا لم يكن مصريا ، وكلمة فرعون ليست مصرية ، ولم يرد أبدا فى التاريخ المصرى أن أحدا من ملوك مصر اسمه فرعون! والمهم أن يوسف تأبّى على المرأة ، وظلت تلح عليه يوما بعد يوم وهو يرفض ، إلى أن حاولت أن تقسره على الفحشاء ، وأمسكت بعباءته فتركها لها وفرّ ، وصرخت لتفضحه ، وجمعت الناس حولها إلى أن أتى زوجها واستمع إليها ، فاستشاط غضبا ، وقبض على يوسف وأودعه السجن. وقصة التوراة على حالها هذا ، من قصص كيد النساء العادية مما تحفل به الصحف اليومية ، إلا أن قصة القرآن رواية حقيقية كالروايات ، ومن الغريب أنهم ينسبون اختراع فن الرواية للأوروبيين وهو قرآنى قلبا وقالبا ، وليس أروع من الحوار فى القرآن باعتبار معايير الأدب المسرحى. وقصة امرأة العزيز مع يوسف كما جاءت فى القرآن ، درّة الدّرر فى الأدب الدرامى ، وتبدأ بشراء العزيز ليوسف بدراهم قليلة ، ثم توصيته لامرأته أن تكرم مثواه ، أى مقامه فى بيتهما ، بطيب المطعم ، وحسن اللباس ، وبرر توصيته بأنه ربما ينفعهما ويكفيهما بعض المهمات والخدمة