وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١) (يوسف) ، يضمّ يوسف أبويه إليه ، ويطمئنهم أنهم فى مصر سيكونون فى أمان ، ورفعهما إلى العرش ، فخرّوا جميعا له ساجدين ، والسجود كان تحيتهم ، وسنّتهم ، وذكّرت الآيات بالرؤيا التى رآها يوسف فى طفولته ، وعدّد نعم الله عليه بخروجه من السجن ومجيئهم من البدو ، مكافأة له على معاناته وصبره ، وقيل إنه بكى وأبوه ، والبكاء أربعة : بكاء من الخوف ، وبكاء من الجزع ، وبكاء من الفرح ، وبكاء الرياء ؛ وبكاء يعقوب بكاء فرح لأن ربّه أقرّ عينيه بعد الهموم والأحزان ، وكان عمره ووقتذاك مائة وثلاثين سنة ، كلها بؤس وشقاء ، وعاش بعد ذلك فى كنف ابنه سبع عشرة سنة ، والدرس المستفاد كان من يوسف وليس من يعقوب ، فقد أوجز حياته فى دعائه ، فشكر الله على ما أعطاه من خير عميم وعلم كريم ، وأقرّ به إلها واحدا ، ودعا أن يتوفاه مسلما ويلحقه بالصالحين ، فلم يتمن الموت ولكنه تمنى الوفاة على الإسلام ، وقيل «الصالحين» هم آباؤه الثلاثة : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، تمنى أن يلحق بهم ويكون معهم ، عليهم وعليهالسلام كلّ السلام.
* * *
٧٩٩. ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين
هذه دعوة يوسف لأبويه لمّا دخلا عليه فى قصره فى جاسان ، ويقول المستشرقون والمفسرون : كيف يقول يوسف : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٩٩) (يوسف) وهم فى مصر فعلا وقد دخلوها؟! والجواب : أنهم وإن كانوا قد نفذوا عبر حدودها إلا أنهم لم يعرفوها بعد ، ودعوته لهم بدخولها آمنين ، أى أن يعايشوا الناس فيها ، ويتعرّفوا على حضارتها ، فالحياة فى الحضر بخلاف الحياة فى البدو ، وسكنى القصور والمنازل مختلف عن سكنى الخيام ، والشرب من مياه الآبار غير الشرب من مياه الأنهار ، وطعام سكان المدن ليس كطعام سكان الصحراء ، فهذه دعوة يوسف لأبويه أن يدخلوا مصر آمنين ، أى يهنئوا بالعيش فيها آمنين ، لا يخافون غدرا ولا ذلة ، ولا حاجة ولا مسغبة ، ولا جدبا ولا جوعا.
* * *
٨٠٠. دعاء يوسف
قيل : إن يوسف فى هذا الدعاء تمنى الموت ، وهو ما لم يحدث لنبىّ ولا لغير نبىّ من قبل ، وهذا غير صحيح بالمرة ، وإنما سأل يوسف ربّه أن يتوفاه عند ما يحين أجله على الإسلام ، وفى الحديث : لا يتمنّين أحدكم الموت لضرّ نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم