وترك أصهاره وبناته المتزوجات وبنيه الذين شاركوا الأهالى فى عصيانهم ، وكانت امرأته سدومية ، فعصت أمر الملكين والتفتت وراءها فصارت نصب ملح ، وحاول لوط أن يتملص من أوامر الملكين ولا يذهب إلى الجبل فأنزلاه صوغر ، وهى مدينة قريبة ، وقلب الملكان سدوم وعمورة وأمطراهما الكبريت والنار. وصعد لوط من صوغر إلى الجبل هو وابنتاه ، فقالتا إنه قد قدر عليهما أن لا يعرفا الرجال ، وأن لا يكون لهما نسل ، فأسكرا أباهما وضاجعاه دون علمه ، وأنجبا منه موآب ونعمىّ ، فهما أصل الموآبيين والعمّونيين. فهذه قصة لوط فى التوراة (التكوين ١٨ ـ ١٩). وفى اللغة العبرية فإن اسم «لوط» يعنى : «السكّير العربيد». والقرآن على عكس ذلك ، قال : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (١٣٣) (الصافات) ، أى أنه نبىّ مرسل ، وقال : (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (الأنبياء ٧٤) ، أى أنه كان من أهل الحكمة النظرية والعلم بالحقائق ، وقال : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٧٥) (الأنبياء) ، فضمّه الله تعالى إلى القائمة المباركة من الأنبياء ، وقال فيهم وفيه : (وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) (٨٦) (الأنعام) ، وكل ذلك فى القرآن بينما جعلته التوراة فى الصورة المقابلة ـ غريبا على أهل سدوم فكرهوه ، وفى المقابل جعله القرآن (أَخُوهُمْ لُوطٌ) (١٦١) (الشعراء) ، وقال فيهم : (وَقَوْمُ لُوطٍ) (٤٣) (الحج) ، فنسبهم إليه وقال إنه لهم : (رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٦٢) (الشعراء). ولما دعا إبراهيم قومه إلى الإيمان رفضه قومه ، (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) (العنكبوت ٢٦). وكانت قضية لوط مع قومه أنه وآله : (أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (٨٢) (الأعراف) ، فلم يكونوا يأتون الذكران ، ولم يكن رجالهم يلتاطون الرجال ، ولا نساؤهم يلتطن النساء ، لأنه إذا تعذّر على النساء أن يكون لهن رجال انحرفن فأتين الفاحشة مع النساء ، فقال لهم لوط : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (٨١) (الأعراف). واللواط الذى هو تهمتهم قال فيه لوط مؤرخا لهذا المرض النفسى : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (٨٠) (الأعراف). ونلاحظ أن القرآن رغم أن لوطا اسم أعجمى ، فإنه صرفه ، ولذلك حاول المسلمون التعريف بالاسم وكأنه اسم عربى ، فقالوا إنه من «لاط» ، أى ملس ولصق ، وهذا غلط لأن اسم لوط أعجمى فعلا ، مثل اسم إسحق ، قالوا عن هذا الأخير إنه من السّحق بمعنى البعد ، ومع ذلك لم يصرفوه مثل صرفهم لاسم لوط ، والصحيح أن اسم لوط صرف فى القرآن لخفته ، لأنه على ثلاثة أحرف ، شأنه شأن اسم نوح.
ومدينة لوط أو قريته لم ترد فى القرآن ، وأوردتها التوراة ، فكان أن علماء العربية قالوا فى مرض قوم لوط النفسى أنه «اللواط» ، نسبة إلى قوم لوط ، والمفرد من هؤلاء اسمه