وقائمة على خدمتهم ، فلما بشّروها تعجبت واستكثرت ذلك على نفسها وعلى زوجها : (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) (٧٢) (هود) ، وقولها «أألد» استفهام يفيد التعجب ، وقولها «إنها عجوز وزوجها شيخ» يعنى أنها لم تعد تحيض ، وأنه ترك غشيانه لها ، وذلك يجعل من ولادة إسحاق آية ومعجزة ؛ وأجاب الرسل عليها : (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (٧٣) (هود) ، وأهل البيت هم الزوجة وأولادها ، والبركة لها ولهم لأن البركة هى النمو والزيادة ، وأغلب الأنبياء والمرسلين كانوا من ولد إبراهيم وسارة ، وهذا من تمام البركة والنعمة ، كقوله تعالى ليوسف : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦) (يوسف) ، وإتمام النعمة بالنبوة ، وقد أتمها الله تعالى على إبراهيم بالخلة ، وعلى إسحاق بالنبوة ، وقيل : أتمّها على إبراهيم بأن رزق من الولد إسماعيل وإسحاق ، كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) (إبراهيم ٣٩) ، وقيل ولد إسماعيل وكان إبراهيم ابن ست وثمانين سنة (تكوين ١٦ / ٣ ـ ١٦) ، بينما ولد إسحاق لمّا كان أبوه قد بلغ المائة من العمر (تكوين ٢١ / ١٤ و ١٣) وكانت أمه قد بلغت تسعين عاما تقريبا (تكوين ١٧ / ١٧ و ٢١ / ٥). والبشارة بإسحاق فى قوله تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) (١١٣) (الصافات) وفيه الدليل على أن الذبيح هو إسماعيل ، لأن هذه البشارة تعقب آيات الذبح مباشرة ، فلما ثبتت طاعة إبراهيم كافأه الله تعالى وبشّره بإسحاق نبيّا صالحا ، وقوله : «وباركنا عليه» تعود على إسماعيل الذبيح ، وقوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) (٧٢) (الأنبياء) ، دليل آخر على أن الذبيح إسماعيل ، لأن النافلة الزيادة ، فلما رزق إبراهيم بإسماعيل وحمد وشكر ، وهبه إسحاق زيادة ، ثم وهب إسحاق يعقوب ، وكلاهما وهبهما له دون دعاء ، وزيادة على ما سأل فى قوله : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٠٠) (الصافات ١٠٠) فكان الجواب : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) (الصافات ١١٢) ، وصلاحهما أن جعلهما أئمة كقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٧٣) (الأنبياء) ، والأئمة هم الذين يقتدى بهم ، والهداية هى الدعوة لله ، فذلك معنى قوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) (آل عمران ٨٤) ، والذى أنزل إليهم هو التوحيد ، والتوحيد ملة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وكل الأنبياء ، لقوله تعالى : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) (يوسف ٣٨) ، قيل : خصّوا بالتوحيد لله ـ إبراهيم