وإسحاق ويعقوب ، كقوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) (العنكبوت ٢٧) ، والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل والفرقان ، وقيل : النبىّ محمد صلىاللهعليهوسلم من ذرية إبراهيم ، وقيل : لم يبعث الله نبيّا بعد إبراهيم إلا من صلبه ، وقيل : إن أكثر الأنبياء من ولده وهذا هو الصحيح.
وقيل فى معنى «إسحق» بالعبرية أنه الضاحك ، قيل : سمى كذلك لأنه ولد مبتسما كأنه يضحك ، وقيل لأن أمه وأباه ضحكا عند ما بشّرهما الرسل به (تكوين ١٧ / ١٧ ـ ١٩ و ١٨ / ٩ ـ ١٥) ، وقالت سارة لمّا ولد إسحاق : إن الربّ صنع لى ضحكا ، وأن جيرانها سيضحكون معها (تكوين ٢١ / ٦) ، وقيل : إن الضحك لازم هذا الصبى من وقت البشارة إلى ما بعد ولادته ، ولذا دعاه إبراهيم : «إسحاق» أى الضاحك أو البسّام. وقيل : ختن إسحاق فى اليوم الثامن لولادته ، وفى نفس اليوم «طرد» إبراهيم هاجر وابنها إسماعيل بناء على إثارة سارة الشريرة ، وغيرتها الفظيعة ، وطباعها الحادة ، ويبدو أن العقم كان وراثة فى هذه السيدة ونسلها ، فلما تزوج إسحاق لم ينجب إلا بعد عشرين سنة ، وأعطاه الله توأمين : عيسو ويعقوب ، وكانا يكرهان بعضهما البعض ، ويبدو أن قلة الإنجاب فى كل آل إبراهيم لأنهم كانوا يتزوجون من أقاربهم من الدرجة الأولى ، فسارة كانت أختا لإبراهيم غير شقيقة ، وإسحاق تزوج قريبته «رفقة» ، ويعقوب تزوج بنتيّ خاله «ليئة وراحيل» ، بينما تزوّج إسماعيل من «الأباعد» فكثر نسله جدا! والغريب أن استقطاب الأبناء كان خلّة فى آل إبراهيم ، فإسحاق أحبّ ابنه عيسو لشخصيته ورجولته ، وأحبت رفقة ابنها يعقوب لضعفه وأنوثته (تكوين ٢٥ / ٢٨). ، وأحب يعقوب ابنه يوسف لحداثته وذكائه. ويبدو أن حبّ إسحاق لعيسو كان تعويضا عن عقدته نحو أبيه ، فقد اتصف إسحق بالخضوع لأبيه (تكوين ٢٢ / ٦ ـ ٩) وبالمحبة لأمه وزوجته (تكوين ٢٤ / ٦٧) ، وأما عيسو فكان متمردا عصيا ، فأحب إسحق فيه ذلك لأنه نقيضه. ومن غرابة تقليد إسحاق لأبيه أنه لم يقل الحقّ مثله من جهة زوجته خوفا على حياته (تكوين ٢٦ / ٧) فقال إنها أخته!! وفى كتب النصارى يتخذ بولس من إسحاق رمزا للمتحررين من عبودية الناموس ، والذين نالوا الموعد ، فوصفهم بأنهم ولدوا حسب الروح ، واعتبر إسحاق ولد حرا لأنه ابن حرّة ، واعتبر ولادته لذلك ولادة بالروح ومن الروح ، بينما اعتبر إسماعيل ابن الأمة ولد من الجسد ، فالذين تبعوا المسيح تحرروا لذلك وصاروا مثل أولاد إسحاق ـ أولاد روح!
* * *