نقدهم على الطبرى والثعالبى ـ وهما من أكبر المروّجين للإسرائيليات فى التفسير. وكل ما يأتينا من نقد من طريق هؤلاء المستشرقين إنما يوجه إلينا من خلال إسرائيليات الطبرى والثعالبى ، وتفسيراهما فيهما الكثير من الهرف والخلط والتلفيق. ولا ينقد المستشرقون رواية القرآن وإنما روايتى الطبرى والثعالبى. وفى قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) (الأنبياء ٧٢) ، فإن النافلة هى الزيادة ، فإبراهيم دعا لنفسه فى إسحاق ، وزيد له يعقوب من غير دعاء ، فكان ذلك نافلة ، أى زيادة على ما سأل ، قال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٠٠) (الصافات) ، فاستجاب له ربّه ورزقه الولد وولد الولد ، ويقال لولد الولد نافلة ، لأنه زيادة على الولد.
ومن العجيب أن يهود المدينة والمستشرقين لم يتنبّهوا إلى أن نفس الشيء حدث مثلا مع النبىّ زكريا بن برخيا ، فقد نسبه سفر عزرا إلى جدّه «عدّو» ولم يذكر اسم أبيه «برخيا» ، فقال زكريا بن عدّو (عزرا ٥ / ١ و ٦ / ١٤) ونفس الشيء مع يعقوب ، فإن كان قد جاء ذكره فى معرض البشارة لإبراهيم ، فما كان لآيزنبرج وجايجر وغيرهما أن يذهبوا إلى تخطئة القرآن ، لأن ذلك نفسه حدث لزكريا ، وقال مفسر عزرا أن برخيا لم يكن مشهورا ، فنسب زكريا للجد لأنه كان الأكثر شهرة. ونفس الشيء حدث مع المسيح فى إنجيل لوقا ، فنسبه إلى أبيه داود (الفصل الأول ٣٢) ، فهل كان داود هو أبو المسيح؟ وفى نسبة زكريا فى سفر لوقا يرد أن امرأة زكريا من بنات هارون (١ / ٥) ، والمقصود أنها من سلالته وليست بنتا لهارون على الحقيقة ، فأين هى من هارون وبينهما آماد من الزمن! فلما ذا النقد لرواية القرآن إذن عن يعقوب؟!
* * *
٧٦٣. إبراهيم كان محبا للحجاج
من صفات إبراهيم حبّه للحجاج ، وأشهر قصة حجاج تروى عنه محاجته للنمرود ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ...) (البقرة ٢٥٨) ، والآية تدل على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة ، وكان نوح كثير الجدل ، كقوله تعالى : (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) (هود ٣٢) ، وجادل موسى فرعون ، والمجادلة تعليم من الله عزوجل بالسؤال والجواب ، وفى الجدل الدينى لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل ، كما جرى مع إبراهيم والنمرود فى حجة الإحياء ، ثم فى حجة الشمس ، وما يقبل على الجدل إلا أصحاب العلم ، وما يميل إليه إلا أصحاب المذاهب ، وإبراهيم كان حنيفا وصاحب ملّة ، والمجادلة نظرية وإبراهيم عملى ، وليس الخبر