كالمعاينة ، ولذا فقد حاجّ ربّه وطلب أن يرى كيف يخلق ، والناس مختلفون بإزاء سؤاله : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (البقرة ٢٦٠) ، هل هو عن شك؟ والصحيح أنه لم يشك فى قدرة الله ولكنه طلب المعاينة ، ولم يرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين ، والإيمان مكانه القلب وليس العين ، وإبراهيم كان ممتلئا حكمة ولذا كان يحاج ويجادل ، وجادل أباه ، قال : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) (الأنعام ٧٤) ، (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ) (الأنعام ٨٠) ، (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨١) (الأنعام) ، وقدرته على الحجاج موهبة من الله فذلك هو نمط شخصيته ، وبراهينه داحضة قاطعة ، كما قال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (الأنعام ٨٣) ، وحجّته على قومه إشارة إلى جميع احتجاجاته التى خاصمهم عليها وغلبهم فيها بالحجة. وحجاج إبراهيم كان يلزمه ويتحدد به سلوكه كقوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) (التوبة ١١٤) ، فإذا علم أنه المخطئ سلّم فى الحال بنتائج خصمه ، فلما تحدثت إليه الملائكة عن لوط جادلهم فأكثر الجدال ، ثم رجع إلى الحق وإلى أمر ربّه لمّا بيّنوا له خطأه ، وفى الآية : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (٧٥) (هود) يعترف فورا بخطئه ويتأوّه أسفا على ما قد بدر منه ، وذلك أن الملائكة لامته على جدله وقالت له : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) (هود ٧٦) ، أى دع الجدال فى قوم لوط فإن ما تجادل فيه هو أمر منزّل من عند الله ، وأنه آت قوم لوط لا محالة. وكان يؤمن بكل ما يتنزّل من عند الله ، وله أدعيات كدعوته لأهل مكة : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (إبراهيم ٣٥) ، وكانت له صحف يرصد فيها ما يوحى إليه من الحكمة ، كما فى قوله تعالى : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) (١٩) (الأعلى) ، وشخصيته من ثم كانت شخصية شاملة ، وبتعبيره تعالى يصفه قال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) (النحل ٢٠) يعنى اجتمعت فيه المحامد ومكارم الأخلاق ، وكان شديد التقوى لربّه ، ويحنف عن كل دين أو مذهب يبعده عن الإيمان بالله ، وذلك ما كان يحاج فيه الناس.
* * *
٧٦٤. الختان من ملة إبراهيم
الختان من السنن ، ومن فطرة الإسلام فى الرجال ، وعند البعض هو فرض لقوله تعالى : (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (النحل ١٢٣) ، والختان من ملة إبراهيم ومن ثم فهو فرض ، والمسلمون على الرأى أن الاختتان يباح لمصلحة الجسم كنظر الطبيب ، وفى الحديث