٧٦١. إبراهيم أول من أضاف
فى الآية : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٦٩) (هود) ، والعجل الحنيذ هو السميط أو المشوى ، وفى الآية الأخرى : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) (٢٧) (الذاريات) ، والكثير من أدب الضيافة نتعلمه من إبراهيم فى هذه الآيات ، فقد عجّل أولا قراه ، وقدّم الموجود الميسّر فى الحال ، ولم يتكلف ما يضرّ به. والضيافة عند الساميين من مكارم الأخلاق ، وأخذها العرب وراثة عن أبيهم إبراهيم ، ولكن اليهود ـ وهم ساميون ـ عكس ذلك تماما. وإبراهيم كان من المسلمين وإماما فى الإسلام ، وقيل إنه فى هذه الآيات يذكر مقترنا بالضيافة ، ولم يذكر ذلك لأحد من الأنبياء قبله ، وأنه لذلك «كان أول من أضاف». وفى قصة إبراهيم أنه لمّا رأى أيدى ضيوفه لا تصل إلى الطعام نكرهم وأوجس منهم خيفة ، والسنّة إذن : أنه إذا قدّم للضيف الطعام فعلى المضيف أن يبادر بالأكل ، فإن كرامة الضيف تعجيل التقديم ، وكرامة المضيف المبادرة بالقبول ، وضيوف إبراهيم الثلاثة خرجوا عن العادة ولم يمدّوا أيديهم ، وخالفوا السنّة ، فخاف أن يكون وراءهم مكروه يقصدونه. وأيضا من أدب الطعام فى قصة إبراهيم : أن ينظر المضيف ، هل يأكل ضيفه أم لا؟.
* * *
٧٦٢. هل أخطأ القرآن ونسب بنوّة يعقوب إلى إبراهيم؟
افتراءات المستشرقين لا تنتهى ، والحق أنهم اعتمدوا على نقد يهود المدينة لآيات القرآن ، ومن ذلك نقدهم لقوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) (٧٢) (الأنبياء) ، وقوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) (العنكبوت) ، وقوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا) (الأنعام ٨٤) ، باعتبار أن إبراهيم لم ينجب يعقوب ، وإنما يعقوب هو ولد إسحاق ، أى أنه حفيد إبراهيم وليس ابنه ، وعلى ذلك قالوا أن القرآن أخطأ ، وأن محمدا التبس عليه ، وعندهم أنه كان من الممكن التغاضى عن هذه الزلّة لو أن البشارة كانت لإبراهيم وحده ، ولكنها كانت فى المقام الأول لسارة ، كقوله : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (٧١) (هود) ، أى أنها ستنجب من بعد إسحاق ولدا اسمه يعقوب ، وتفسير اليهود والمستشرقين هو الخطأ ، لأنه فى هذه الآيات جميعها لا ينصرف المعنى إلا إلى أن إبراهيم وسارة سيكون لهما ولد باسم إسحاق ، وسينجب هذا الولد ابنا بدوره اسمه يعقوب ، وبذلك تحفظ النبوّة والكتاب فى الذرية. ومن أشد الناقدين لهذه المسألة من المستشرقين : آيزنبرج ، وهوروفتس ، وسنوك هرجرونجى ، وجايجر ، واعتمدوا فى