وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) (٣٩) (الفرقان) ؛ وقيل : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (١٤) (ق). وهؤلاء الأقوام الذين وردت أسماؤهم سبقت إليهم الرسل ، فأنكروا عليهم وكذّبوهم ، فلم يكن النبىّ صلىاللهعليهوسلم عند ما أنكره قومه بدعا إذن ، فموسى آتاه الله التوراة وجعل معه أخاه هارون ، فكذّبهما من أرسلا إليهم فدمّرهم الله تدميرا ؛ وقوم نوح كذّبوا الرسل فأغرقوا. ومن الذين أرسلت إليهم الرسل قوم عاد ، وقوم ثمود ، وأصحاب الرّسّ ، وأقوام بين ذلك كثيرون ، وكلهم تبّروا تتبيرا ـ أى أهلكوا إهلاكا ، كقوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) (الإسراء ١٧) ، وقوله : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) (٤٢) (المؤمنون) ، والقرن هو الأمة من الناس يتعاصرون فى الزمن الواحد ، فإذا ذهبوا وخلفهم آخرون فهم قرن آخر. وأصحاب الرس ذكروا بين الأقوام ، وكانوا قرنا أدرجوا ضمن القرون ، وضربت لهم الأمثال ، أى الحجج ، والمثل يضرب للوعظ والتذكير ، فما آمنوا ، فحقّ عليهم العذاب ، ودمّروا تدميرا.
وفى التعريف بمعنى الرّس مذاهب كثيرة ، وفى كلام العرب الرّسّ هو البئر غير المطوية ، أى القديمة ، فمعنى أصحاب الرّس أنهم اشتهروا ببئر كانت لهم فى واد يقال له الرّس ؛ أو أن نبيّا ظهر بينهم فعادوه وأنكروه واضطهدوه ، إلى أن رسّوه فى هذا البئر حيا ، يقال رسّ الميت ، أى قبر ، ورسست رسّا ، أى حفرت قبرا. وقيل : إنما غضب الله على أصحاب الرّسّ لمّا آذوا نبيّهم ، وكان اجتماعهم يكثر حول هذه البئر ، يسقون منها أغنامهم ، ويقعدون من حولها ، فلمّا اشتد طغيانهم ، وتمادوا فى غيّهم ، واشتطّوا فى أذى نبيّهم ، فبينما هم من حول البئر ومنازلهم مشرفة عليه ، انهارت بهم ، وخسف بديارهم ، وقيل : كان نبيّهم شعيب ، وأرسل إليهم وإلى أهل مدين وأصحاب الأيكة ، فربما الرجعة التى كانت بها أو منها الصيحة ، أودت بهم جميعا. وقيل : ربما كانوا بقية من ثمود قوم صالح. وقيل : بل أصحاب الرّس هم جماعة «صاحب يس» الذى قال لهم : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (٢٠) (يس) ، فقتلوه ورسّوه فى بئر لهم يقال لها الرّس ، طرحوه فيها. وقيل : إن القصة وقعت فى أنطاكية ، وأن «مؤمن آل يس» الذى وأدوه فى البئر كان اسمه حبيب النجّار. وأغرب ما قيل ما نسب إلى علىّ بن أبى طالب ، فقد رووا عنه أن أصحاب الرّسّ كانوا قوما يقدّسون شجرة ، فكانوا يدعون عندها لتلبّى حاجاتهم ، فسبّ نبيّهم الشجرة وسخّفها لهم ، وكان من ولد يهوذا ، فقتلوه ورسّوه فى بئر ، فأطلق عليهم أصحاب الرّس. وقيل فيهم : كانت