الحديث : «لا تسبّوا تبّعا فإنه كان مؤمنا» ، فهو إذن عين ، يعنى شخصا بعينه ، قيل هو أبو كرب أسعد الذى كسا البيت حبرات ، وفى الحديث لعائشة : «لا تسبّوا تبّعا فإنه كان رجلا صالحا» ، يعنى : أنه كان عينا ، وقيل كان من قبائل حمير : فإن شاء القارئ أن يحتسب تبّعا اسما كان بها ، وإن شاء أن يحتسبه لقبا فالأمر سيان ، فالمهم هو العظة من ذكر قوم تبّع هذا. وقيل إن أهل اليمن يفتخرون بهاتين الآيتين فى هؤلاء القوم ، ففي الآية الأولى يأتى أنهم ـ قوم تبّع أو أهل اليمن ، وكانوا أعزّ من قريش وأكثر منعة ، وفى الثانية أدرجوا مع أصحاب الأيكة من أهل مدين وهؤلاء هم طبقة الملّاك أصحاب الأغياض ، وفى الآيتين أنهم كانوا على خير حال لو لا الإنكار للحق. غير أن الآيتين تشتملان على ذمّ ظاهر لقوم تبع ، واقتصر الذمّ عليهم دون تبّع نفسه ، وضرب الله بهم المثل لقريش لقربهم من ديارهم ، ولأنهم كانوا عظاما فى أنفسهم ، فلما أهلكهم ومن قبلهم دلّ ذلك على أنهم كانوا مجرمين لا يفتخر بهم ، فبينما قوم تبّع لم يؤمنوا آمنت قريش ودخلت فى الإسلام جميعها بعد الفتح.
والدرس المستفاد من قصة تبّع وقومه : ما حوته الآيات الثلاث الأخيرة عن القصة كما وردت فى سورة الدخان ، وهى الآيات ٣٨ و ٣٩ و ٤٠ : أن الناس ، من الماضى أو الحاضر أو المستقبل ، عليهم أن يؤمنوا بالله ، فالإنسان لم يخلق عبثا ، ولم يكن الكون بلا غاية ، والتفكير واجب ، والتدبّر ضرورة ، والعلم بالله لا يتأتى إلا بالعلم بما خلق ، فكما أن هذا العالم مستمر فى الوجود استمرارا حقا ، فخالقه لا بد هو الحق ، ولم يكن خلقه له إلا لإقامة الحق وإظهاره ، وتوحيد الخالق والتزام طاعته ، وما منع الناس أن يفعلوا ذلك إلا لأن أكثرهم لا يعلمون ، فالجهل سبب الإنكار ، ولقد أمروا أن يسيروا فى الأرض ، ويعلموا عن الكون ، ويعرفوا قوانين الله فيه ، وإذن ما كان لهم أن ينكروا ، ويوم الفصل هو ميقات كل هؤلاء ، وميقات الطغاة الذين يمنعون شعوبهم أن تتعلم ، والمترفين الذين يجاهدون أن يظل الناس على جهلهم لتسهل قيادتهم ، ولتتيسر سرقتهم ، فلا يثورون ولا يتمردون ، ولا يطالبون بحق ، ولا بإبطال ظلم وإقامة عدل ، وحسبنا الله.
* * *
٧٣٣. قصة أصحاب الجنة
الجنة : بستان من بساتين الأرض ، وهى أيضا نعيم الله فى الآخرة ؛ وأصحاب الجنة : تطلق على أهل جنة الأرض ، وكذلك أهل جنة الآخرة. وقصة أصحاب الجنة فى القرآن : هى التى تعرضها سورة القلم من الآية ١٧ حتى الآية ٣٢ ؛ والدرس المستفاد منها تعرضها