خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٠) (الدخان) ، والردّ من نوع استفهام الإنكار ، فما هؤلاء الملحدون خير من قوم تبّع وغيرهم من الأمم البائدة ، وأسئلتهم ومطالبهم وحججهم هى نفس الأسئلة والمطالب والحجج ، وأولئك أبادهم الله وأهلكهم ، فكذلك يفعل فى هؤلاء ، والنبت الخبيث يستأصله ، وما لا ينفع الناس لا يمكث فى الأرض ، واستئصالهم لأنهم مجرمون ، والمجرمون نقيض المسلمين ، والله يقول : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (٣٥) (القلم) ، وسبيل المجرمين الاستكبار على الحق ، وما كانوا ليؤمنوا بالله ولا بمن يدعو إليه ، وفى التصنيف الإسلامى للأمم والناس : أن منهم «مجرمين» وهؤلاء هم المكذّبون للرسل ، أو المكذّبون للحق عموما ، ومن المجرمين عتاة يسميهم القرآن «أكابر المجرمين» ، يقول : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) (الأنعام) ، وقانونه تعالى فى الدعوات : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) (الفرقان ٣١) ، والمجرمون هم الأخسرون ، والإنكار فى قلوبهم متمكن ، ولذلك يفترون ، ولهم الصغار ـ أى المذلة ـ فى الدنيا والآخرة ، ومن هؤلاء كان قوم تبّع ، ولم يكن أحد مثلهم فى ظهور النعمة وكثرة الأموال ، ولا كان أحد يضاهيهم فى العزة والمنعة. «وتبّع» ليس اسما ينسبون له ، ولكنه لقب رجل من المؤمنين الصالحين ، كقوله تعالى : «قوم نوح» ، و «قوم لوط» ، و «قوم إبراهيم» ، و «قوم هود» ، و «قوم صالح» ، و «قوم يونس» ، وكان ملوك اليمن يقال لهم «التبابعة» ، والواحد تبّع ، كما نقول الخليفة ، أو كسرى ، أو قيصر ، أو رئيس الجمهورية. وربما سمّى كل واحد تبّعا لأنه يتبع من قبله ، فهم خلفاء لبعضهم البعض ، واشتهر منهم : الحارث الرائش بن همال ذو السدر ، وأبرهة ذو المنار ، وعمرو ذو الأذعار ، وشمر بن مالك ، وقيل : كان منهم أيضا من يدعى أفريقيس بن قيس ، وهذا ساق البربر إلى إفريقية من أرض كنعان ، وقيل : وبه سميت إفريقية!!
والظاهر من الآيات أن المقصود يتّبع واحد من هؤلاء الذين ذكرنا أسماءهم من المشهورين ، وكان العرب يعرفونه لا باسمه ولكن بلقبه ، فكان يقال : «تبّع» فقط دون أن يعقبه الاسم. ومن التفسيرات العجيبة أن ابن كثير ينسب للنبىّ صلىاللهعليهوسلم حديثا يقول : «ولا أدرى أتبّع لعين أم لا» أو قال : «لا أدرى ألعين تبّعا أم لا؟» فنسب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم أنه لا يدرى! كالقائلين باللاأدرية! فكيف يكون ذلك وكان جبريل يعلّمه؟ وكان القرآن يتنزّل على قلبه ، لا بحرفه فقط ، وإنما به وبمعناه؟ فهل لو كان لا يدرى فى أمر كهذا تافه ، أيؤتمن على تبليغ رسالة؟ ومما يذكره ابن كثير أيضا عن أحمد والطبرانى وابن أبى حاتم وابن مردويه