أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) (١٥) (الأنبياء) ، وقالوا اسم هذه القرية حضور ، وكانت بأرض الحجاز من جهة الشام ، وبعث إليهم نبىّ اسمه شعيب بن ذى مهدم ، وهو غير شعيب قوم مدين وقبر شعيب حضور هذا باليمن ، بجبل يقال له ضنين ، كثير الثلج. ووقعت قصة هذه القرية قبل عيسى بزمن ، وبعد سنين من سليمان ، وقام أهلها بقتل نبيّهم ، وكان أصحاب الرّس قد قتلوا فى نفس الوقت تقريبا نبيا لهم اسمه حنظلة بن صفوان ، وأنزل الله العذاب بقوم حضور على يد بختنصر ، فهذا وصف الله لها بأنها قرية ظالمة ، فقد كان أهلها مترفين ، فلما أحسّوا أنهم ارتكبوا الذنوب وكفروا بالله ، لجأوا للفرار خوفا من انتقامه تعالى ، فطالت بهم الغربة بعيدا عن بلادهم ، ولم ينزل بهم أى عذاب ، فعادوا إلى ما أترفوا فيه ، وعمّروا مساكنهم من جديد ، فكان أن سئلوا مرة أخرى ، فاعترفوا هذه المرة بأنهم ظلموا أنفسهم حين لا ينفع الاعتراف ، فما زالوا يرددون أنهم «ظلموا أنفسهم» ، وما زالت تلك دعواهم «يا ويلنا» ، إلى أن حصدهم العذاب حصدا ، وهلكوا للأبد ، فتلك قصة القرية الظالمة.
* * *
٧٣٢. تبّع وقومه : من يكونون؟
يذكر تبّع وقومه فى القرآن مرتين ، فى الأولى قوله : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٣٧) (الدخان) ؛ وفى الثانية قوله : (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (١٤) (ق). والأقوال فى تبّع كثيرة ولا شىء منها مؤكد ، والسياق فى الآية الأولى فيه من قبل ذلك إنكار قريش للبعث ، قالوا : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٦) (الدخان) ، وكان أبو جهل يقول : يا محمد! إن كنت صادقا فى قولك فابعث لنا من آبائنا قصىّ بن كلاب ، فإنه كان رجلا صادقا ، لنسأله عمّا يكون بعد الموت ـ وقول أبى جهل أضعف الشبهات ، لأن الله تعالى لا يعيد الناس إلّا للجزاء ، وأبو جهل يريد إعادتهم للتكليف! وقوله كقول من قال : إن كان الله يقدر أن ينشئ بعدنا قوما من الأبناء ، فلم لا يرجع من مضى من الآباء؟! وهذا معنى (فَأْتُوا بِآبائِنا). والسؤال كان مطروحا على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وما يزال مطروحا من قبل ورثة علم أبى جهل ، وهم الملاحدة والعلميون والتنويريون ، ويجبهون به المسلمين فى كل حين. وردّه تعالى عليهم فى الماضى وحتى اليوم والغد : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما