إليهم أن يغيّروا ما درجوا عليه وآباؤهم. ويستمر حجاجه معهم ، يقول : لا تحملنكم معاداتى على ترك الإيمان فيصيبكم ما أصاب قوم لوط جيرانكم ، ولو استغفرتم وتبتم لرحمكم الله وهو الرحيم الودود. ولكنهم لجّوا فى جدالهم ، وذكّروه أنه فيهم الضعيف لو لا رهطه ، أى عشيرته ، وإلا كانوا رجموه ، ومن الرجم أن يزلقوه بألسنتهم ، ومنه أن يرموه بالحجارة فقد كان عندهم من الصابئين ، وكان عذرهم أقبح من ذنبهم ، فأن لا يقربوه خوفا من عشيرته مع أن الله تعالى أحق أن يخشوه ، هو من قلة فهمهم وسوء تفكيرهم ، ولمّا أيس منهم لم يجد إلا أن يسلّم أمره إلى الله ، فقال قولته المشهورة : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ) ، (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) ، أى استمروا واثبتوا إذن على ضلالكم فأنا ثابت على إيمانى وقد صرت على بيّنة من ربّى. وقوله من الدروس المستفادة ، فلا رجاء فى فرض رأى على الناس بالقوة ، ولا سبيل لنشر دعوة إلا بالإقناع ، والأمر موكول لهداية الله لمن يشاء له الهدى. ولم يهتد قوم شعيب أو أهل مدين ـ «أصحاب الأيكة» ، وجاء أمر الله فجعلهم مثلا فى الغابرين ، وألحقهم بأهل ثمود جيرانهم ، فأصبحوا هلكى فى ديارهم كأن لم يغنوا فيها ، فبعدا لهم ، والبعد هو اللعنة.
والدرس المستفاد من هذه القصة ومن غيرها ، عن الأمم التى لم تزل قائمة ، أو التى دالت وصارت حصيدا : أن أمثال هذه القصص لم تذكر فى القرآن كأخبار أو معلومات ، وإنما عظة وعبرة ، وأن لكل أمة أعمالها تستوفيها ، وأن الظلم شرك بالله ، وأن الحقّ لا بد أن يزهق الباطل ، ويمحو الله الباطل ، وأن الإسلام هو دين الحق ، وكان دين الأنبياء جميعا ، فمن تبعهم فقد أسلم لربّ العالمين. والقصة بذلك ذكرى للذاكرين.
* * *
٧٣٠. أصحاب مدين
هم المذكورون فى الآية : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) (الحج) ، ومدين على البحر الأحمر من أعمال السعودية ، وتحاذى تبوك ، وبها البئر التى استقى منها موسى ، كقوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (القصص ٢٣). ومدين اسم قبيلة تسكن مدين ، وهم المعنيون بقوله تعالى : (وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) ، ويسمون أيضا (أَهْلِ مَدْيَنَ) (طه ٤٠) ، وهم قوم النبىّ شعيب.
* * *
٧٣١. قصة القرية الظالمة
ترويها الآيات : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا