٧٢٩. شعيب أو يثرون فى القرآن والتوراة
شعيب هو نبىّ أهل مدين ، أو بنى مدين ؛ وفى التوراة (تكوين ٢٥ / ٢) أن شعيبا كان من نسل مدين بن إبراهيم من زوجته قطورة ، وكانت قد ولدت له ستة من الأبناء ، ومدين رابعهم ، وأنجب مدين عيفة ، وعفر ، وحنوك ، وأبيداع ، وألداعة ، ومن هؤلاء كان بنو مدين الذين أرسل إليهم شعيب ، واسمه بالمديانى يثرون Jethro ، وفى التوراة هو يثرو ، ومعناه بالعربية الفضل أو ذو الفضل ، أى المتفضّل على الناس ، أو صاحب الفضيلة والإحسان ، وأما الاسم شعيب فهو عربى خالص ، والمستشرقون يتعجبون من أين جاء به محمد؟ فلا توجد مراجع معروفة فيها ذكر لاسم شعيب هذا ، ولكنه فى العربية تصغير لشعب ، وتقال للمصلح ، فيكون شعيب أنه مصلح صغير ، فالاسم العربى أليق به ، وكان شعيب من الأنبياء الصغار حقا ، فلم يكن له كتاب ، وما كان المؤمنون به كثرا. فلما كثرت أقواله عن الله دعوه رعوئيل Reuel ، يعنى خليل الله ، وتقوم شهرة شعيب عند الإسرائيليين على استضافته لموسى بعد هروبه من مصر ، وقد ظل يرعى له غنمه مدة أربعين سنة فى زعمهم ، وتروى التوراة قصة موسى فى سفر الخروج فى الفصول الثانى والثالث والثامن عشر ، فلمّا قتل موسى المصرى منتصرا للإسرائيلى مثله ، وشاع الخبر وطلبه فرعون ، هرب إلى مدين ، وأسست التوراة شعيبا «كاهن مدين» ، فهو ليس من الأنبياء عندهم. وكانت له سبع بنات جئن يوما يستقين ويملأن المساقى ليسقين غنم أبيهم ، فطردهم الرعاة ، وكان موسى بالقرب فرأى ذلك ، وقام مروءة يسقى لهن ، فهو القوى الذى لا يغلب ، وقصّت البنات القصة على أبيهن ، وأنهن لذلك عدن مبكّرات ، ووصفن موسى بأنه مصرى ، وأرسل له الأب ابنته صفورة يدعوه مكافأة له ، واستضافه ، وزوّجه هذه الابنة ، واسمها يعنى العصفورة ، فربما كانت ضعيفة البنية ، وذهب موسى يوما فى رعيه للأغنام بعيدا حتى جبل حوريب ، وهناك كلّمه الربّ وعهد إليه ليتوجه إلى مصر نبيا. فلما عاد موسى بعد الخروج من مصر ، ونزل عند جبل حوريب ، وسمع شعيب بعودته ، وكانت زوجة موسى عنده وقد صار له منها ولدان ، فأخذهم شعيب إلى موسى ، وعند جبل حوريب شاهده يقضى بين الناس ، ونصحه أن يعيّن قضاة لهذه المهمة ويتفرغ لتعليم الفرائض والشرائع ، وفعل موسى ما أشار به عليه ، وهذا هو كل ما ذكرته التوراة عن شعيب. وأما فى القرآن فالأمر مختلف ، والحكاية تروى بكاملها وببلاغة لا مثيل لها ، وتترى أحداثها وتحفل بالتفاصيل ، قال : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي