هذا الأيك الكثير ، ثم جاءتهم الصيحة أو الرجفة فأخذتهم فأصبحوا فى ديارهم جاثمين ، والديار هى القرى حيث مساكنهم.
ولم يكن من فراغ أن المستشرقين قالوا بأنه من غير الواضح أن أصحاب الأيكة هم أهل مدين ، فمن العرب من ذهب هذا المذهب أيضا ، وقال : إن الظلة ، كانت سحابة غطّت قرية الأيكة فعظمت بها الحرارة ، حتى أن النار اشتعلت فى الأيك فأتت عليه وعلى أصحابه ، فكان عذابهم فى هذا اليوم هو عذاب الحريق. وأما عذاب أهل مدين فكان بالصيحة أو الرجفة التى أخذت الظالمين منهم. وبناء عليه فإن أصحاب الأيكة غير أهل مدين. غير أن النقد الموجه لهذا القول أنه لا ذكر للحريق فى يوم الظلة ، ويجوز أنهم استظلوا من وقدة الشمس بالأيك ولكن عذابهم كان بالصيحة أو الرجفة ، والرجفة لها صيحة أو ضجيج عظيم. ويضعف من هذا الرأى أن عذاب الصيحة كان للظالمين فقط من أهل مدين ، بينما أخذ أصحاب الأيكة جميعا. وقد يردّ على ذلك بأنه لا تعارض بين أن يقال إن الظالمين من أهل مدين هم الذين أخذوا بالصيحة وانتقم منهم ، وبين أن يقال إن أصحاب الأيكة ـ وهم من أهل مدين ، قد شملهم هذا العذاب أيضا ولكنهم خصّوا بعذاب أكبر لعظم جرمهم ، ولأنهم ظلموا أكثر من غيرهم ، ولربما كان «عذاب الصيحة» لذلك للسواد من الناس ، بينما «العذاب العظيم» الذى هو «عذاب التحريق» لخاصة الذين وصفوا بأنهم أصحاب الأيكة ، وهم طبقة الملّاك من أصحاب الغياض. وفى الآية : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) (هود ٨٤) أنهم بنو مدين ، كما يقال مضر والمراد بنو مضر ، أو أن مدين مدينتهم فنسبوا إليها. وجريمة هؤلاء كما فى الآيات التى تحكى عنهم ، هى نفس جريمة أصحاب الأيكة التى تذكرها آياتهم وتتكامل تماما مع آيات أهل مدين. والآيات فى الحالتين تأتى بعد الآيات عن قوم لوط ، وهذا التجاور فى الآيات ينبئ عن تجاوز فى المكان ، بمعنى أن قرى قوم شعيب وأصحاب الأيكة كانت قريبة من قرى لوط. فإن كان قوم شعيب بخلاف أصحاب الأيكة فهما على الأقل جماعتان لأمة واحدة ، فكان نبيّهما واحدا. والآيات فى القرآن التى تشير إلى تجاور قرى لوط وقرى شعيب تشملها أربع سور ، هى : الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والعنكبوت ، ويثبت هذا التجاور المكانى أكثر بالآية : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) (٧٩) (الحجر) ، والإمام المبين هو المكان الواضح المشرف على طريق ، وكل من يسير فى هذا الطريق يرى آثارهما : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (٧٦) (الحجر) ، والسبيل هو الطريق ، والمقيم أى القائم بمعنى أنه ما يزال موجودا.
* * *