إلى القول بأن تعشّق الأشجار أو عبادتها هو نوع من الولع الجنسى ، حيث تكون الأشجار رمزا للقضيب ، ويكون تعشق الأشجار فى حقيقته تعشقا للقضيب ، وتعشق القضيب أو عبادته كانت من العبادات القديمة ، ونراه كثيرا عند بعض الرسّامين ، وعند المرضى النفسيين ، فإذا كان الكلف مرضيا بلغ حدّ الهوس ، وتحفل الآثار المصرية واليونانية والرومانية بصور وتماثيل لعبادة الأشجار من هذا النوع المرضى ، ويروى أطباء النفس عن حالات لمرضى يتحدثون مع الأشجار ويواعدونها ويبثونها لواعج أشواقهم ، ويحتكون بها ويقبّلونها ، وقد يستمنى المريض أثناء ذلك. فلا عجب إذن أن يكون أصحاب الأيكة من هؤلاء ، أو أنهم كانوا من الأثرياء من أصحاب الغياض ، كقولنا الآن من «أصحاب الضياع». والأيكة هى الغيضة ، والغيضة هى مجتمع الشجر حيث مغيض الماء ، وهو مكان تجمّع الماء. والغيضة أيضا هى الغوطة. وكانت مدين مشهورة بغياضها أو أيكها ، وربما سميت مدين باسم الأيكة لكثرة الأيك بها ، فدلّ شجر الأيك على القرية ورمز لها وصار اسمها. وقد نسأل عن كنه هذا الشجر ، فنقول إنه ربما شجر الدوم ، وهو وإن ندر الآن ، إلا أنه ما يزال يوجد منه ببلادنا ، وهو شجر عظيم الهيئة ، ويسمونه أيضا المقل ، من فصيلة النخليات ، وسوقه متشعبة ، ويستخرج من ثماره نوع من الدبس ـ أى العسل ، ويناسب المناخ الحار. وربما كانت الأيكة غيضة من أشجار السدر والأراك ونحوهما من نواعم الأشجار ، مما ينبت عادة فى أمثال هذه البيئة ، والسدر هو النبق ، والأراك واحدته أراكة ، وهو شجر له شوك ، وسيقانه طويلة ، ويكثر ورقه وتشتبك أغصانه ، وتتّخذ منها المساوك (جمع سواك). وتلك الأنواع من الأشجار : المقل ، والسدر ، والأراك ، قديمة ، وكانت فى الماضى تنبت بكثرة فى بيئات كبيئة مدين ، وهى نادرة الآن. وكانت تتميز بالأغصان الملتفة ، فتتشابك الأشجار مع بعضها البعض ، وتصلح أن يستظل بها ، والآيات فى قصة أصحاب الأيكة تتحدث عن يوم الظلة ، وهو يوم عذاب أهل مدين الذى حاق بهم لمّا كذّبوا نبيّهم وسلكوا معه كالأراذل ، ومنعوا الناس الحقوق ، وعاثوا فى الأرض مفسدين ، وأنكروا الله ، وأصرّوا على الإنكار ، واستبدّ بهم الاستكبار حتى التحدّى أن ينزل شعيب عليهم كسفا من السماء. ومن فضائل تلك الآيات أمثال هذه المصطلحات الإسلامية : «يوم الظلة» و «أصحاب الأيكة» ، وذهب قولهم : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٨٧) (الشعراء) مثلا من فرائد الأمثال التى يستشهد بها. والكسف جمع كسفة وهى القطعة والجانب من الشيء ، تقول أعطانى كسفا من ثوبه يعنى قطعا منه. وفى يوم الظلة هذا أسقط الله عليهم هذه الكسف التى سألوه إياها ، حتى أنهم استظلوا منها تحت