يعادل ما تشربه بقية مواشيهم وأرضهم وأهاليهم ، فجعلوا الماء قسمة بينها وبينهم ، واشترط عليهم صالح أن لا يمسّوها بسوء ، ولكنهم عقروها وندموا ، ولات حين مناص فقد أخذهم العذاب. والذين أوعزوا بعقرها كانوا رهطا تسعة ، وهؤلاء كانوا المسرفين المترفين من ثمود أبناء الأشراف ، واتهموا صالحا بأنه مسحور ، وأن عقله قد بطل ، واستعجلوا بالسيئة قبل الحسنة ، واطيّروا به وبمن معه ، ودبّروا لقتله وأن يباغتوه وأهله ليلا ، ويشهدوا أنهم ما حضروه ولا رأوه ، وكانت الناقة فتنة فأوعزوا بقتلها ليوغروا الناس عليه ، وفى الأسطورة أن الذى قتلها اسمه قدار ، والعرب تسمى الجزّار قدارا ، تشبيها بقدار هذا قاتل ناقة صالح. فكانت عاقبة مكرهم أن دمّروا وقومهم أجمعون. وكانت بيوت ثمود ما تزال بادية الأثر إلى عهد النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، ولذا قال تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) (النمل ٥٢) ، وهذا هو الدرس المستفاد من القصة يعيه الذين يعلمون ، أن الله ينجّى المؤمنين ويعذّب المكذّبين.
* * *
٧٢٤. أصحاب الحجر هم ثمود
الحجر يطلق على معان ، منها حجر الكعبة ؛ ومن معانيها الحرام كقوله تعالى : (حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٢) (الفرقان) أى حراما محرّما ؛ والحجر : العقل ، كقوله : (لِذِي حِجْرٍ) (٥) (الفجر). والحجر ديار ثمود فى الآية : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠) (الحجر) ، وسميت سورة الحجر باسم هذه الديار ، وكانت بين مكة وتبوك ، ويطلق على الوادى هناك اسم وادى الحجر. وأصحاب الحجر هم قوم صالح ، وفى الآية أنهم كذّبوا المرسلين ، ولكنا لم نعرف منهم إلا صالحا وحده ، فمن جاءوا قبل صالح ومهّدوا له ، وكذلك من تبعوه من الأنبياء ، جميعهم كذّبوهم. ولما نزّل النبىّ صلىاللهعليهوسلم الحجر فى غزوة تبوك ، أمرهم ألا يشربوا من بئرها ، ولا يستقوا منها ، ومن فعل ذلك وعجن عجينه بمائها ، كان عليه أولا أن يهرق الماء ، وأن يعلف الإبل العجين ثانيا ، وأن لا يستقى إلا من بئر تردها الناقة ، ونبّه النبىّ صلىاللهعليهوسلم على من كانوا معه ، لمّا مروا على الحجر ، فقال : «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين ، حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم». ويأتى عن أصحاب الحجر فى الآيات : (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤) (الحجر) ، وآياته تعالى لهم هى الناقة ، وكانت فيها آيات جمّة خارقة ، جميعها من الغيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله ، وفى تفسير ذلك قيل إن الناقة خرجت من صخرة ، وعند خروجها كانت على